للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لغة تنأى عن فردية الموضع وعن استقراطية التعبير، وتميل إلى الموضوعية في الأغراض، والديمقراطية في الأسلوب.

وليس من شأنك في أن حركة الترجمة، وانتشار الصحافة، وإسهام المهاجرين الشوام، وتوجيهات الأفغاني؛ قد ساعدت الرواد الأول من كتاب المقالة في الأدب المصري الحديث على أن يرسوا دعائم هذا الفن النثري.

ولقد كان من أوائل هؤلاء الرواد، الشيخ محمد عبده١؛ فهو صاحب


١ ولد بمحلة نصر إحدى قرى البحيرة سنة ١٨٤٩، وحفظ القرآن بالقرية، ثم التحق بالمسجد الأحمدي بطنطا، وفيه تلقى بعض علوم اللغة العربية والشريعة، ثم عاد إلى بلده بعد حين وقد يئس من مواصلة الدرس لما وجد من تعقيدات تملأ الكتب المقررة، ثم قدم على الأزهر سنة ١٨٦٦ بعد أن اتصل ببعض الشيوخ الذين شجعوه وشحذوا عزيمته، وفي الأزهر أكب على الدراسة على كبار الشيوخ، وحين قدم السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر للمرة الأولى سنة ١٨٦٩، اتصل به محمد عبده، وحين عاد للمرة الثانية سنة ١٨٧١ بادر محمد عبده إلى لقائه، وتعلم على يديه الكثير في الأدب والفلسفة والتاريخ، والسياسة والاجتماع، وقد قرب الأفغاني الشاب المصري من نفسه، وأحله منزلة المريد. وفي سنة ١٨٧٦ بدأ محمد عبده يكتب في الصحف فصولا في موضوعات ثقافية مختلفة، فاشتهر بين أقرانه، وبدأ يعرف بحسن الفهم وجمال البيان، وجرأة القلب، وقد أوغر هذا صدور بعض المتخلفين والحاقدين، وبدأ خصومه يظهرون، وحين أتم محمد عبده دراسته في الأزهر وعرض نفسه على لجنة امتحان العالمية سنة ١٨٧٧ اجتاز الامتحان بعد صدام مع بعض الشيوخ، وكانت النتيجة أننال العالمية من الدرجة الثانية، وتولى التدريس بعد ذلك في الأزهر، ثم عين مدرسًا للتاريخ في دار العلوم سنة ١٨٧٨. ثم حالت السياسة بينه وبين التعليم، حين أمر الخديو توفيق بإخراج الأفغاني من البلاد، وتحديد إقامة محمد عبده في محلة نصر، ثم استدعي للإشراف على الوقائع المصرية سنة ١٧٨٠. وحين بدأت بوادر الثورة العرابية لم يكن الشيخ مؤيدًا لها، ثم انضم إليها بعد ذلك، وبعد فشل الثورة قبض على محمد عبده وحوكم،
وظل رهن المحاكمة ثلاثة شهور بالسجن، ثم حكم عليه بالنفي ثلاث سنوات في سوريا، فلجأ إلى بيروت، وبعد أن أقام في الشام نحو عام كتب إليه السيد جمال الدين الأفغاني من فرنسا ليلتحق به، فذهب إلى باريس عام ١٨٨٤، واتصل بأستاذه الذي كان قد عاد من الهند، وأقام بالعاصمة الفرنسية، وفي باريس أصدر مع أستاذه جريدة العروة الوثقى، وقد أتيح للشيخ أن يزور لندن بدعوة من بعض أصدقائه الإنجليز، ثم عاد إلى باريس ... ورجع إلى بيروت سنة ١٨٨٥، للتدريس في المدرسة السلطانية.

<<  <   >  >>