الحال؛ فقد اختلفت أشكاله بعض الاختلافات نظرًا لاختلاف الكتاب وطبيعتهم وثقافتهم أولًا، ثم نظرًا لاختلاف الموضوع المعالج ثانيًا، فحين يكون الكاتب ذا ثقافة فكرية يغلب على أسلوبه الجانب الذهني، والقرب من القضايا المنطقية، وما فيها من استدلال واحتجاج؛ وحين يكون الكاتب ذا ثقافة فنية يغلب على أسلوبه طابع التصوير والخيال، والشاعرية أحيانًا، وخاصة إذا كان الموضوع على حظ من العاطفية يحتمل ذلك، ومن هنا لم تختف كل أنواع المحسنات تمامًا، بل ظل بعضها يأتي بين الحين والحين، وخاصة السجع والتقسيم اللذان يكسبان الكالم موسيقى ويزيدانه تأثيرًا، وذلك حين يأتيان مطبوعين، وفي مواقف تتحملهما.
وهذا نموذج من مقالات الشيخ محمد عبده في الوقائع بعد أن انتقل أسلوبه إلى المرحلة الثانية مرحلة الترسل والموضوعية والبساطة، وعنوانه "خطأ العقلاء"، يقول الشيخ في هذا المقال: "إن كثيرًا من ذوي القرائح الجيدة، إذا أكثروا من دراسة الفنون الأدبية، ومطالعة أخبار الأمم وأحوالهم الحاضرة، تتولد في عقولهم أفكار جليلة، وتنبعث في نفوسهم همم رفيعة، تندفع إلى قول الحق، وطلب الغاية التي ينبغي أن يكون العالم عليها، ولكونهم اكتسبوا هذه الأفكار، وحصلوا تلك الهمم من الكتب والأخبار، ومعاشرة أرباب المعارف ونحو ذلك، تراهم يظنون أن وصول غيرهم إلى الحد الذي وصلوا إليه، وساير العالم بأسره، أو الأمة التي هم فيها بتمامها -على مقتضى ما علموه- هو أمر سهل، مثل سهولة فهم العبارة عليهم، وقريب الوقوع، مثل قرب الكتب من أيديهم، والألفاظ في أسماعهم، فيطلبون من الناس طلبًا حاثًّا، أن يكونوا على مشاربهم، ويرغبون في أن يكون نظام الأمة، وناموسها العام على طبق أفكارهم، وإن كانت الأمة عدة ملايين، وحضرات المفكرين أشخاصًا معدودين، ويظنون أن أفكارهم العالية إذا برزت من عقولهم إلى حيز الكتب والدفاتر، ووضعت أصولًا وقواعد لسير الأمة بتمامها، ينقلب بها حال الامة من أسفل درك في الشقاء إلى أعلى درج في السيادة، وتتبدل