من إنشائه، وأصبح بعد نحو عشر سنوات مجالًا للخطابة السياسية، التي تعارض الحكومة وتنتقد تصرفات المسئولين، وتندد بالخديو نفسه، وتشن حملات شديدة على التدخل الأجنبي، والحكم الاستبدادي، وتطالب بألوان من الإصلاح في السياسة والحكم والاقتصاد.. كذلك وجدت الحركة العرابية، فكانت مجالًا من أهم المجالات لإنعاش الخطابة السياسة ومدها بأخصب زاد. وكانت أحداث سنة ١٨٨١ بخاصة، وقودًا غذى الخطابة السياسية في مجال الثورة العرابية، وأمدها بفيض من الحياة؛ فحادث قصر النيل وما صاحبه وأعقبه من مؤتمرات واجتماعات، وحادث عابدين وما مهد له وقيل فيه، ثم يوم سفر عبد العال حلمي وقواته إلى دمياط، وسفر عرابي وجنده إلى رأس الوادي، ثم ما كان بعد ذلك من حشد الشعب للوقوف في وجه العدوان الإنجليزي، والتآمر الخديوي، كل ذلك كانت الخطابة إحدى وسائله -بل أهم وسائله- في الإقناع والتحميس والتجميع والعمل.. وهكذا كانت الخطابة السياسية منتعشة في تلك الفترة من جديد، بعد أن ظلت قرونًا ذابلة، أو خامدة لا تكاد يحس لها وجود أو تدرك له حياة.
وفي ميدان الاجتماع وجد عدد من الجمعيات الخيرية والاجتماعية التي اتخذت الخطابة وسيلة لبث أفكار الإصلاح، والدعوة إلى حياة أفضل، في الثقافة، والتعليم، والاقتصاد، وما إلى ذلك. وهكذا كانت الخطابة الاجتماعية -هي الآخر- إحدى وسائل الاستمالة والإقناع والعمل على الإصلاح الاجتماعي في شتى مظاهره، ومن هنا انتعشت الخطابة الاجتماعية، بل وجدت أشبه بالجديدة في الأدب المصري، الذي عرفها مع هذه المظاهر الحضارية، التي لم تكن من موضوعات الخطابة إلا في العصر الحديث.
وطبيعي ألا تكون الخطابة بألوانها المختلفة ذات أسلوب واحد في تلك الفترة، وإن كانت كل الألوان تخلصت -إلى حد كبير- من الجمود والتفاهة، وعدم مراعاة الحال، التي كانت تسيطر على الخطابة الدينية المتخلفة في العصر التركي وما تلاه.. وطبيعي أن تختلف أساليب الخطابة باختلاف ألوانها، فالخطابة السياسية تعمد كثيرًا إلى الإثارة ومخاطبة المشاعر، وتتزين بألوان