من المؤثرات العاطفية كالشعر الحماسي، والقصص الديني ونحو ذلك مما يشد مشاعر الجماهير، ثم تتحلى ببعض المحسنات كالسجع والتقسيم الذي يبعث في الكلام موسيقى، ويزيد به التأثير.. أما الخطابة الاجتماعية، فتعمد أكثر إلى مخاطبة العقل واستخدام المنطق، وقد تتعرض لذكر الأرقام والحقائق المحسوسة، في لغة أشبه بلغة العلم، ومع ذلك لا تترك فرصة يمكن فيها التأثير، وجذب القلوب حتى تنتهزها بأسلوب عاطفي، قد يعتمد على الخيال، ويتحلى ببعض المحسنات ...
وهذا نموذج من خطب عبد الله النديم، خطيب الثورة العرابية١، والنموذج من خطبة هذا الثائر، في مظاهرة توديع أحد زعماء الثورة -عبد العال حلمي-المبعد بقواته إلى دمياط، بعد الحركة العسكرية في عابدين والمطالبة بمطالب الشعب ... وكانت المظاهرة في محطة العاصة قبيل تحرك القطار بالقائد وجنوده.. وفي هذه الخطبة يقول النديم:
"حماة البلاد وفرسانها.. من قرأ التاريخ، وعلم ما توالى على مصر من الحوادث والنوازل، عرف مقدار ما وصلتم إليه من الشرف، وما كتب لكم في صفحات التاريخ من الحسنات؛ فقد ارتقيتم ذروة ما سبقكم إليها سابق، ولا يلحقكم في إدراكها لاحق، ألا وهي حماية البلاد، وحفظ العباد وكف يد الاستبداد عنهما. فلكم الذكر الجيمل، والمجد المخلد، يباهي بكم الحاضر من أهلنا، ويفاخر بمآثركم الآتي من أبنائنا، فقد حيي الوطن حياة طيبة بعد أن بلغت التراقي، فإن الأمة جسد والجند روحه، ولا يحاة للجسد بلا روح، وهذا وطنكم العزيز أصبح يناديكم ويناجيكم، ويقول:
١ عن عبد الله النديم وترجمته اقرأ: الآداب العربية للويس شيخو جـ٢ ص٩٩، وتاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ١ ص٢٢٠، والثورة العرابية لعبد الرحمن الرافعي ص٥٣١، وزعماء الإصالح في العصر الحديث لأحمد أمين ص٢٠٤، وأدب المقالة الصحفية للدكتور عبد اللطيف حمزة جـ٢ ص١١٤، واقرأ تقديرًا كبيرًا لدوره في: Studies on the Civilization of Islam, Gibb. p.٢٥٣