للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما علي مبارك فعلى الرغم من أن عمله هو الآخر يحكي رحلة المؤلف، فإنه قد أكسب هذه الرحلة شكلًا خياليًّا، حيث وضع لها أشخاصًا بعضهم له أصل من الواقع مثل علم الدين، الذي ليس إلا علي مبارك نفسه، وبعضهم من صنع خيال المؤلف، مثل السائح الإنجليزي، وغيره من الشخصيات، وهذا الجانب الخيالي من جهة، ثم قصد المؤلف قصدًا إلى الحكاية والقص -مما صرح به في صدر الكتاب- من جهة أخرى، قد جعل من هذا العمل رواية تعليمية، ولم يقف بها عند مرحلة البذور الأولى التي وضعها أستاذه الطهطاوي، وقد كان من مظاهر الخيالية والروائية، ومحاولة البعد عن جو الكتاب التعليمي، تسمية المؤلف لكل فصل من الكتاب باسم "مسامرة".

غير أن عمل علي مبارك مع ذلك ليس رواية ناضجة، وذلك لغلبة الجانب العلمي عليه، ولشيوع الجفاف فيه، ثم لعدم التزامه للمقاييس الروائية، وذلك أن المؤلف كثيرًا ما يقدم المعارف والعلوم في هذا العمل ناسيًا أنه يحكي ويقص، وناسيًا أنه وعد بتقديم ما سيقدم في إطار حكاية، ثم هو كثيرًا ما يقطع تسلسل القص لينتهز فرصة -أي فرصة- لحشد المعلومات، وهو أيضًا يجري الأحاديث على ألسنة الشخصيات دون مراعاة لطبيعة هذه الشخصيات، ولا لثقافتها. وأخيرًا هو لا يعني بالتشويق، ولا يلتفت أصلًا إلى العنصر الغرامي -مما تتميز به الرواية التعليمية بصفة خاصة-، ولا يهتم كثيرًا برونق الأسلوب١.

ومن هنا يضعف العنصر الروائي، ويبعد الكتاب عن مقومات الفن، ويعد -في أحسن الاحتمالات- رواية تعليمية غير ناضجة، ومع ذلك فعلي مبارك رائد في هذا اللون من ألوان الرواية الذي يهدف إلى التعليم والمقارنة، ولكتابة فضل السبق على تلك الأعمال التي ستظهر أكثر نضجًا وفنًّا في الفترات التالية..

يقول علي مبارك: ".. وقد رأيت النفوس كثيرًا ما تميل إلى السير والقصص وملح الكلام، بخلاف الفنون البحتة، والعلوم المحضة، فقد تعرض عنها في كثير من الأحيان، لا سيما عند السآمة والملال من كثرة الأشغال،


١ المصدر السابق ص٦٤-٦٦.

<<  <   >  >>