وفي أوقات عدم خلو البال، فحداني هذا أيام نظارتي لديوان المعارف، إلى عمل كتاب أضمنه كثيرًا من الفوائد، في أسلوب حكاية لطيفة ينشط الناظر إلى مطالعتها، ويجد فيها رغبته فيما كان من هذا القبيل، فيجد في طريقه تلك الفوائد، ينالها عفوًا بلا عناء، حرصًا على تعميم الفائدة وبث المنفعة، فجاء كتابًا جامعًا، اشتمل على غرر الفوائد المتفرقة في كثير من الكتب العربية والإفرنجية، في العلوم الشرعية، والفنون الصناعية، وغرائب المخلوقات وعجائب البر والبحر.. مفرغًا في قالب سياحة عالم مصري، وُسِمَ "بعلم الدين" مع رجل إنجليزي، كلاهما هيان بن بيان، نظمهما سمط الحديث، لتأتي المقارنة بين الأحوال المشرقية والأوروبية١".
هذا وبالإضافة إلى فضل الريادة التي ينسب إلى عمل علي مبارك في ميدان الرواية التعليمية بخاصة، ينسب إليه كذلك فضل الإسهام في لفت الأنظار إلى الفن القصصي بعامة.
وفي مجال لفت النظر إلى هذا الفن، وتشجيع الأقلام على تناوله، وتشجيع القراء على الشغف به، يذكر بعض من ترجموا أعمالًا روائية كبيرة في تلك الفترة، وفي طليعة هؤلاء، يأتي اسم محمد عثمان جلال، الذي ترجم رواية "بول وفرجيني" للكاتب الفرنسي "برناردين دي سان بيير"، وقد عرب محمد عثمان جلال هذه الرواية، وسماها باسم عربي هو "الأماني والمنة في حديث قبول وورد جنة"، بل إنه قد تصرف فيها بما يتلاءم مع الجو العربي، والذوق العربي والقارئ العربي. وبلغ من هذا التصرف، أن جعل لغتها السجع، بل أنطق بعض أبطالها بالشعر العربي الفصيح، وعلى الرغم من أن مثل تلك الترجمة أو مثل هذا التعريب، مما لا يعد من الأعمال الفنية الدقيقة، فإن ما قام به محمد عثمان جلال -رغم عيوبه- قد كان من ألوان النشاط الروائي الفعال الذي أسهم في نقل هذا النوع الأدبي الغربي إلى الأدب المصري الحديث.