للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولي وطن آليت ألا أبيعه ... وألا أرى غيري له الدهر مالكًا

وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسد إن بان غودر هالكا

ولا يشك أحد في أن مصر وطن شريف إن لم نقل: إنها أشرف الأمكنة؛ فهي أرض الشرف والمجد في القديم والحديث، وكم ورد في فضلها من آيات بينات وأثار وحديث، فما كأنها إلا صورة جنة الخلد، منقوشة في عرض الأرض، بيد الحكمة الإلهية، التي جمعت محاسن الدنيا فيها، حتى تكاد أن تكون حضرتها في أرجائها ونواحيها ... "١.

ثم يقول في الكتاب نفسه عن تعليم المرأة: "ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات؛ فإن هذا مما يزيدهن أدبًا وعقلًا، ويجعلهن للمعارف أهلًا، ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي، فيعظمن في قلوبهم ويعظم مقامهن ... وليمكن للمرأة -عند اقتضاء الحال- أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال، على قدر قوتها وطاقتها، فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة؛ فإن فراغ أيديهن عن العمل، يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل، فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال، فهي مذمة عظيمة في حق النساء، فالمرأة التي لا تعمل تقضي الزمن خائضة في حديث جيرانها، وفيما يأكلون ويشربون ويلبسون ويفرشون، وفيما عندهم وعندها، وهكذا ... "٢.

وهذا الكلام بالإضافة إلى كونه نصًّا أدبيًّا ذا قمية في ذاته، يعتبر ريادة لفكرة إصلاحه اجتماعية كبير، وهي فكرة تحرير المرأة، فقد سبق رفاعة بها قاسم أمين بزمن، وإن لم يتوسع فيها توسع هذا الأخير.

وهكذا يضيف رفاعة إلى ألوان رياداته، لونًا آخر يذكر له مع كل ثناء عرفان بالفضل.


١ انظر: المرشد الأمين لرفاعة الطهطاوي ص٩٠.
٢ انظر: المصدر السابق ص٦٦.

<<  <   >  >>