للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمثلان عقل الأمة، وضميرها تماماً كما عمل على قتل القوتين العسكرية والاقتصادية، اللتين تمثلان ساعد الأمة وقلبها.

حقيقة قد أباح الاحتلال -بعد فترة- إنشاء بعض الصحف، كما سمح بقيام بعض الأحزاب، ولكن ذلك كان أساسًا لتأجيج الخصومات، وتفريق شمل الأمة.

وحقيقة قد قام الاحتلال ببعض ألوان من إصلاح الري، وإقامة بعض السدود والقناطر، ولكن ذلك كان بقصد زيادة محصول القطن، الذي كانت تحتكره المصانع الإنجليزية، على أن هذا كله لم يخلف رخاء اقتصاديًا، ولم يرفع مستوى الشعب، وإنما زاد من ثراء طائفة من كبار الملاك، وضاعف من تحكمهم في الطبقة الكادحة١.

ومن ذلك كله كانت التركة التي خلفها الاحتلال، تركة مثقلة رهيبة تحتاج إلى نضال صابر وكفاح مرير، حتى يصلح ما فسد ويقوم ما اعوج، كان على البلاد أن تناضل في ميادين عديدة، في ميادني السياسة ضد المحتل وحليفه اقصر، وفي ميدان الاقتصاد ضد الفقر والاستغلال، وفي ميدان التعليم ضد الجهل والأمية، وفي ميدان الثقافة ضد العدوان على اللغة وتراث العرب والإسلام، وفي ميدان الاجتماع ضد التخلف والجمود، وفي ميدان الأخلاق ضد التبذل والتفرنج.

والحق أن الاحتلال لم يستطع -رغم وسائله العديدة- أن يحول بين الرواد المصريين، وبين خوض معركة النضال من أجل تخليص الوطن، وإصلاح ما فسد من أمره، وكل ما استطاعه الاحتلال هو أن يعوق مسيرة مصر إلى نهضتها، وأن يكلفها الكثير من التضحيات والجهد، لكي تحقق ما تصبو إليه من هدف كبير، وقد أثبت مصر في نضالها الشريف، أنها بإيمانها ونبل غايتها، أقوى من الاحتلال بكل جيوشه، وخسيس أهدافه.


١ انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ١ ص٢١٥- ٢١٦، وتطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص٣٦، ومصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي ص٢٧-٣٠.

<<  <   >  >>