للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الوقت نفسه أخمدت أنفاس الصحافة بسبب أقل شبهة في معاداة الإنجليز أو الخديو، فمنعت "العروة الوثقى" من دخول مصر، وكان يصدرها في باريس جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وقت إبعادة عن البلاد، بعد الثورة العرابية. كذلك ألغيت صحيفة "الوطن"، وصحيفة "مرآة الشرق"، وصحيفة "الزمان"، وعطلت "الأهرام" بعض الوقت١.

وهكذا خنقت روح القوة الأخلاقية، وهي الحرية، وأصبح بعض الناس يتشكلون وفق مصالحهم، أو ما يرونه من صالح جماعتهم، فتقرب نفر من المستعمرين، وهادن آخرون الحكام الخائنين، وبدأت المفاسد الخلقية التي تخلفها مصادرة الحرية تظهر في صورة شتى، ولكن كلها قبيح شائه كريه.

وقد أضيف إلى هذا العامل الرئيسي المفسد للأخلاق، عامل الضغط الاقتصادي على طبقات الشعب الكادحة، بما كان من استغلال الإقطاعيين لهم، وامتصاص المرابين لدمائهم، وجور السلطان عليهم، أجل أضيف هذا العامل الاقتصادي المفسد، إلى العامل المعنوي المتلف، فتضاعفت المأساة، وظهرت مع الاحتلال عيوب خلقية عديدة، في طليعتها: النفاق، والجشع والحقد، وما إلى ذلك مما يخلفه فقدان الحرية، وسوء النظم الاقتصادية.

كذلك أدخل الاحتلال إلى مصر ألوانًا من المباذل الوضيعة، كالبغاء الرسمي ونوادي الميسر، وحانات الخمر، وظهرت هذه المباذل في المدن، وجرفت كثيرًا من المواطنين، فعرفت حياتنا الاجتماعية -وخاصة في المدن- عيوبًا لم تعرفها قبل عهد الاحتلال٢.

وهكذا عمل الاستعمار على قتل القوتين الثقافية والأخلاقية، اللتين


١ انظر: المصدر السابق ص١٦١-١٦٣، ومذكراتي في نصف قرن لأحمد شفيق.
٢ اقرأ: مقالًا لعبد الله النديم، يندد فيه بتلك المفاسد في "الأستاذ" عدد ١٧ يناير سنة ١٨٩٣.

<<  <   >  >>