للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبادة من دونهم من القديسين، وبذلك تحرر الإنسان من الرق الروحى والعقلى الذى منيت به الأمم المتدينة ولا سيما البوذيين والنصارى.

ولضلال جميع أهل الملل والنحل فى ذلك كرر هذا الإصلاح فى كثير من السور بالتصريح بأن الرسل بشر مثل سائر البشر يوحى إليهم، وبأنهم ليسوا إلا مبلّغين لدين الله تعالى الموحى إليهم. قال الله تعالى لخاتمهم المكمل لدينهم فى خاتمة سورة [الكهف، الآية ١١٠]: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً .. الآية. وقال فى جملتهم: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [الكهف: ٥٦]، ومثلهما فى سورة [الأنعام، الآية: ٤٨)، وفى معناهما آيات أخرى بعثهم مبشرين ومنذرين بالقول والعمل، لا متصرفين فى الكون بالنفع والضر بأنفسهم، ولا بتأثيرهم فى إرادته تعالى. وقد شرحنا ذلك فى تفسير قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: ١٨٨]، وقد بين ذلك النبى صلّى الله عليه وسلّم بأقواله وأعماله وأخلاقه فى العبودية والتواضع بما لا يدع لتأويل الآيات سبيلا. حتى فطن لذلك بعض العلماء الإفرنج الأحرار فقال: إن محمدا لما رأى خزى النصارى بتأليه نبيهم وعبادته لم يكتف بتلقيب نفسه برسول الله حتى أمرهم بأن يقولوا: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله».

[٢ - أطوار النصارى وما انتهوا إليه فى الدين]

ومن عجيب أمر النصارى أن وثنيى أوروبا غلبوهم على دينهم لضعفهم وتفرقهم بعدم وجود نظام يجمع أمرهم بقوة حاكمة فتصدّى لجمعهم الملك قسطنطين فانتزعهم من دين التوحيد الذى كان عليه إبراهيم وموسى وعيسى وسائر النبيين، وأسس لهم كنائس كهياكل قومه الوثنيين، ورئاسة دينية رومانية تناوئ اليهود أو الساميين، إلا فلسفة بولس عدو المسيح والمسيحيين، ثم وضع لهم الأحبار والأساقفة من اليونان والروم عقائد وعبادات وشرائع وشعائر كثيرة، لم يبن شىء منها على أساس التوراة التى هى ناموس موسى (ع. م)، ونقلوا عن المسيح أنه قال- قوله الحق- أنه ما جاء لينقض الناموس وإنما جاء ليتممه، ولكن هؤلاء الأوروبيين نقضوه ووضعوا لأنفسهم نواميس أخرى مخالفة له ولما تممه به المسيح من الزهد وترك عبادة المال والشهوات والرياء وحب الرئاسة والبغى والعدوان، وعادوا أتباعه اليهود فى كل شىء.

<<  <   >  >>