للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

امتياز نبوة محمّد على نبوة من قبله فى موضوعيها والموازنة بينه وبين موسى وعيسى (ع. م)

أنى تضاهى تلك الأخبار (النبوات) - وهى كما علمت- أنباء القرآن الكثيرة بالمغيّبات كالذى بيناه فى خلاصة تفسير سورة براءة (التوبة) مما وقع من المنافقين، وما هو فى سورة الفتح، وقد وقع فى عهد النبى صلّى الله عليه وسلم. وفى غيرهما كقوله تعالى فى أول سورة الروم: الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم: ١ - ٤]، وقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: ٥٥]، وأين هى من إنباء النبى صلّى الله عليه وسلم أصحابه بأنهم سيفتحون بعده بلاد الشام وبلاد فارس ومصر، ويستولون على ملكى كسرى وقيصر. حتى أنه سمى كسرى عصره باسمه كما رواه البخارى عن عدى بن حاتم إلخ «١»؟.

هذا ما يقال بالإجمال فى أحد موضوعى النبوة وهو الإخبار عما سيكون فى مستقبل الزمان، فما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلم منها فى وحى القرآن وغيره أظهر وأوضح وأبعد عن احتمال التأويل، وأعصى على إنكار المرتابين، ويزيد عليه ما جاء به من أنباء الغيب الماضية، وسأورد ما يتأول به الجاحدون للنبوة فى بيان بطلان شبهتهم.

وأما الموضوع الثانى للنبوة وهو الأهم الأعظم، أى عقائد الدين وعباداته وآدابه وأحكامه، فالنظر فيه من وجهين:

(أحدهما) ما ذكروه من كونه لا يمكن أن يصل إليه عقل من جاء به وفكره ولا علومه ومعارفه الكسبية، فيتعين أن يكون بوحى من الله.

(وثانيهما) أن يكون ما فيه من هداية الناس وصلاح أمورهم فى دينهم ودنياهم أعلى فى نفسه من معارف البشر فى عصره، فيتعين أن يكون وحيا.

فأما الأول؛ الخاص بشخص الرسول، فإنّ العاقل المستقلّ للفكر إذا عرف تاريخ محمد صلّى الله عليه وسلم وتاريخ أنبياء بنى إسرائيل عليهم السلام فإنه يرى أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم قد نشأ أميا لم يتعلم القراءة ولا الكتابة، وأنّ قومه الذين نشأ فيهم كانوا أميين وثنيين جاهلين بعقائد الملل


(١) سأورد طائفة من هذه الأنباء بالغيب فى ملحقات هذا الكتاب أو الجزء الثانى منه.

<<  <   >  >>