للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المقصد السادس من مقاصد القرآن بيان حكم الإسلام السياسى الدولى: نوعه، وأساسه، وأصوله العامة]

الإسلام دين هداية وسيادة وسياسة وحكم، لأنّ ما جاء به من إصلاح البشر فى جميع شئونهم الدينية، ومصالحهم الاجتماعية والقضائية، يتوقف على السيادة والقول والحكم بالعدل وإقامة الحق، والاستعداد لحماية الدين والدولة، وفيه أصول وقواعد.

[القاعدة الأساسية الأولى للحكم الإسلامى]

الحكم فى الإسلام للأمة، وشكله الشورى، ورئيسه الإمام أو (الخليفة) منفّذ لشرعه، والأمة هى التى تملك نصبه وعزله، قال الله تعالى فى صفات المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: ٣٨]، وقال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: ١٥٩]، وكان صلّى الله عليه وسلّم يشاور أصحابه فى المصالح العامة من سياسية وحربية ومالية مما لا نص فيه فى كتاب الله تعالى، وقد بينت فى تفسيرها حكمة ترك الشورى لاجتهاد الأمة لأنها مصلحة تختلف باختلاف الأحوال والأزمنة، ولو قيدت بنظام لجعل تعبديا «١».

وقال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: ٥٩] فأولو الأمر أهل الحلّ والعقد والرأى الحصيف فى مصالحها الذين تثق بهم الأمة وتتبعهم فيما يقررونه بدليل قوله تعالى بعد تلك الآية من السورة نفسها: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء: ٨٣] فأولو الأمر الذين كانوا مع الرسول وكان الأمر يرد إليه وإليهم فى الشئون العامة للأمن من الأمن والخوف وغيرهما: هم الذين كان صلّى الله عليه وسلّم يستشيرهم فى الأمور الدقيقة والسرية المهمة. وكان يستشير جمهور المسلمين فيما لهم به علاقة عامة ويعمل برأى الأكثر وإن خالف رأيه، كاستشارتهم فى غزوة أحد فى أحد الأمرين: الحصار فى المدينة أو الخروج إلى أحد للقاء المشركين فيه. وكان رأيه ورأى بعض كبار الأمة الأول، ورأى الجمهور الثانى، فنفذ رأى الأكثر، ولكنه استشار فى مسألة أسرى بدر خواص أولى


(١) راجع ص ٩٩ ج ٤ تفسير المنار.

<<  <   >  >>