للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عبادة بعض الناس للمسيح وللأولياء دون موسى]

وإنما عبد بعض البشر عيسى واتخذوه إلها ولم يعبدوا موسى كذلك وآياته أعظم لأنهم جهلوا أنّ آيات عيسى جارية على سنن روحية عامة قد يشاركه فيها غيره فظنوا أنه يفعلها بمحض قدرته التى هى عين قدرة الخالق سبحانه لحلوله فيه واتحاده به بزعمهم، وآيات موسى بمحض قدرة الله وحده، ولم يفطنوا لاتباع عيسى لموسى فى

شرعه (التوراة) إلا قليلا مما نسخه الله على لسانه؛ من إحلال بعض ما حرم عليهم بظلمهم عقوبة لهم، ومن تحريم ما كانوا عليه من الغلو فى عبادة المال والشهوات.

ومثل النصارى فى هذا من يفتنون من المسلمين بعبادة الصالحين بدعائهم فى الشدائد لاعتقادهم أنهم يدفعون عنهم الضرّ، ويجلبون لهم النفع بالتصرف الغيبى الخارج عن سنن الله فى الأسباب والمسببات الداخل عندهم فى باب الكرامات، وهو خاص بالرب تعالى، ولكنهم لا يطلقون على أحد منهم اسم الربّ ولا الإله ولا الخالق. إذ الأسماء اصطلاحية، وإنما الفرقان بين الخالق والمخلوق والرب والمربوب أن الربّ الخالق هو القادر على النفع والضر لمن يشاء وصرفهما عمن يشاء بما يسخره من الأسباب وبدونها إن شاء، وأن المخلوق المربوب هو المقيد فى أفعاله الكسبية الاختيارية فى النفع والضر بسنن الله تعالى فى الأسباب والمسببات التى سخرها تعالى لجميع خلقه، ولكنهم يتفاوتون فى العلم والعمل بها كما يتفاوتون فى الاستعداد لها بقوى العقل والحواس والأعضاء، وفى وسائلها، وقد بلغ البشر بالعلم والعمل الكسبيين من المنافع ودفع المضار ما لم يعهد مثله لأحد من خلق الله قبلهم لا الأنبياء ولا غيرهم لأن الأنبياء المرسلين لم يبعثوا لهذا، وإنما بعثوا لهداية الناس إلى معرفة الله وعبادته وتهذيب أخلاقهم بها، فمنافع الدّنيا لا تطلب منهم أحياء ولا أمواتا، وإنما تطلب من أسبابها، وما وراء الأسباب لا يقدر عليه إلا الله عزّ وجلّ وقد قتل الظالمون بعض الأنبياء والأولياء، وآذوا بعضهم بضروب من الإيذاء، ولم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم، ولذلك تكرر فى القرآن الحكيم نفى هذا النفع والضرر عن كل ما عبدوا من دون الله بالذات أو بالشفاعة عند الله تعالى كما قال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: ١٨]، ومثلها آيات. وأمر خاتم رسله أن يعلم الناس ذلك كما فعل من قبله من الرسل فقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ

<<  <   >  >>