للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه المزية لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من المزايا التى كان بها حجة على سائر الأمم، وأهلا لمنصب الإمامة فيها، قال الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: ١٤٣]، فهى الوسط العدل فى الإيمان بجميع الرسل وما جاءوا به من أركان الدين الثلاثة (كما بيناه فى المقصد الأول) وفى غير ذلك من الفضائل والأعمال.

وأما شهادتها على الناس فهى تابعة لما كلفته من دعوة جميع الأمم إلى حقيقة دين الرسل التى تلقتها من خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلّم وحلّت محلّه فى الدعوة إلى ما جاء به من بعده، فهو صلّى الله عليه وسلّم يشهد عليها يوم القيامة كما يشهد كل رسول على قومه الذين كانوا فى زمانه كما قال الله تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١].

ومن المعلوم بنص القرآن أنّ بعض الأنبياء والرسل أفضل من بعض بتخصيص الله تعالى، وبما كان لكلّ نبى من عمل فى نفع العباد وهدايتهم، وهى متفاوتة جدا،

قال الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: ٢٥٣]، ومن المعلوم بالدلائل العقلية والنقلية أن محمدا خاتم النبيين، الذى أكمل الله به الدين وأرسله رحمة للعالمين، هو الذى رفعه الله عليهم كلهم درجات كما بيناه فى تفسير تلك الآية بالإجمال «١»، وفصلناه فى هذا الكتاب أقصد التفصيل.

وأنك لتجد مع هذا أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لأتباعه: «لا تفضلوا بين أنبياء الله» قاله إنكارا على رجل من المسلمين لطم يهوديا لأنه قال: لا والذى اصطفى موسى على البشر فشكاه إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم فغضب غضبا شديدا على صاحبه المسلم، وقاله وبين مزية لموسى عليه الصلاة والسلام فى الآخرة ثم قال: «ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى»، والحديث رواه الشيخان فى الصحيحين، وفى روايات أخرى للبخارى: «لا تخيروا بين الأنبياء»، وفى بعضها: «لا تخيرونى على موسى». والغرض من ذلك كله منع المسلمين من تنقيص أحد من الأنبياء عليهم السلام، ومن التعادى بين الناس لأجلهم، ومن الغلو فيه صلّى الله عليه وسلّم، وإلا فهو قد قال فى تعليل نهيه عن سؤال أهل الكتاب عن شىء: «والله لو كان حيا بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتبعنى». أبو يعلى من حديث جابر.


(١) راجع أول ج ٣ تفسير المنار.

<<  <   >  >>