للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشواهد فى فتنة المال فى القرآن كثيرة تجد الكلام عليها فى مواضع من تفسير المنار ولا سيما فى الجزء العاشر منه «١».

فمن الآيات فى ارتباط السعادة والفلاح بإنفاق المال، والشقاء بمنعه ما هو للترهيب وما هو للترغيب، وجمع بين الترغيب والترهيب فى قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] «٢»، أى إن منع إنفاق المال فى سبيل الله من أسباب التهلكة. ثم قال فى الترغيب: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وكذا قوله تعالى من سورة الليل: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى [الليل: ٥ - ١١].

هذا كله تفصيل لقوله تعالى قبله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل: ٤]، ومعناه بالإجمال والإيجاز: إنّ سعيكم فى الكسب والإنفاق مختلف مبدأ وصفة وغاية وثمرة، فَأَمَّا مَنْ أَعْطى، ما عليه من الحقوق الشخصية والقومية والمصالح الواجبة والمندوبة، وَاتَّقى، سوء عاقبة منعها وضرره فى الأفراد وفى الأمة، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، وهى ما وعد الله من الجزاء على الإحسان بما هو أحسن منه من مضاعفة الثواب بمثل قوله: [النجم: ٣١] وهو شامل لجزاء الدنيا والآخرة فَسَنُيَسِّرُهُ بمقتضى سنتنا فى تأثير صفات النفس من الأعمال، وتأثير الأعمال فى الأحوال الخاصة والعامة لِلْيُسْرى أى الخطة أو الطريقة الفضلى فى اليسر والسهولة والمنفعة له وللناس فيحبه الناس ويحبه الله وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بما عليه من هذه الحقوق وَاسْتَغْنى بماله عن حبّ الناس وحمدهم، وعن حب الله ومثوبته وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى التى بيناها آنفا بعدم طلبها وتحريها بالإعطاء والإنفاق، وإن اعترف بها باللسان فَسَنُيَسِّرُهُ بمقتضى سنتنا المبينة آنفا لِلْعُسْرى من الخطتين، وسوأى الطريقتين فيكون سببا لعسر البشر وعدوا لهم ولربهم، ويكون له شر الجزاء منهم ومنه عزّ وجلّ فى الدارين. ويؤيد ذلك شواهد القطب الثانى من آيات المال وهى:


(١) راجع فى الفهرس كلمة المال: فتنته.
(٢) ص ٢٠٩ ج ٢ تفسير المنار.

<<  <   >  >>