للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل شهدت الأناجيل أن المسيح عليه السلام أهان أمه وإخوته ولم يسمح لهم بلقائه، وقد استأذنوا عليه ليكلموه، وعلل ذلك بأنهم مخالفون لمشيئة أبيه كما تراه فى آخر الفصل الثانى عشر من إنجيل متى وآخر الثالث من مرقس بالمعنى. وعبارة لوقا (٨: ٢٠ فأخبروه قائلين: أمك وإخوتك واقفون خارجا يريدون أن يروك ٢١ فأجاب وقال لهم أمى وإخوتى هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها)، نعم إن إخوته لم يكونوا يؤمنون به كما هو مصرح به فى موضع آخر، ولكن هل كانت أمه كذلك؟ وهل يجازيها هذا الجزاء؟ والله تعالى يوصى بالإحسان بالوالدين حتى المشركين ويفضل أمّ السيد المسيح على نساء العالمين.

وإهانة الأم ذنب فى جميع الشرائع والآداب، كما أن المبالغة فى شرب الخمر ذنب حتى فى الشرائع التى لم تحرمها مطلقا، وجاء فى هذه الأناجيل أن الشيطان استولى عليه أربعين يوما يجربه ويدعوه إلى عبادته، كما تراه فى أول الفصل الرابع من إنجيل متى. وكذا فى غيره من الأناجيل. ونحن نبرئه من كل ذلك.

وشهدت الأناجيل أيضا بأنّ يوحنا كان يعمد الناس للتوبة ومغفرة الخطايا وأنه عمد المسيح نفسه، وبأن أباه زكريا وأمه اليصابات «وكان كلاهما بارين أمام الله سالكين فى جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم» (لوقا ١: ٦) وهذه شهادة بالعصمة التامة.

وهنالك أنبياء آخرون شهدت لهم نبوات العهد القديم بالبر ولم ينسب إلى أحد منهم أدنى خطيئة، وآدم عند ما ارتكب الخطيئة لم يكن نبيا مرسلا إلى أحد ولا كان معه قوم يسيئون الاقتداء به. وكان قد نسى النهى عن الأكل من الشجرة، وإنما كانت مثلا لاستعداد جنس البشر للمعصية كالطاعة، نسيانا أو عمدا، ولكون المعصية تعالج بالتوبة فيغفرها الله تعالى، وقد كان ابناه قابيل وهابيل مثلا لكل من الاستعدادين، وشهد الكتاب عندهم لهابيل بأنه كان بارا لم يرتكب خطيئة، وهو لم يكن نبيا.

جاء القرآن وهو المهيمن على جميع الكتب الإلهية بما لخصناه من الحق فى مسألة آدم وشهد لمن قص علينا خبرهم من أنبياء الله ورسله أنهم كانوا من الصالحين الذين يقتدى بهم فى البرّ والتقوى، كقوله فى سورتهم: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ [الأنبياء: ٧٣]، وقال فيهم بعد ذكر أشهرهم: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠].

وأما قوله لخاتمهم ومكمل هدايتهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ

<<  <   >  >>