اشترط لإباحة الوطء شرطين انقطاع الدم والاغتسال فلا يباح إلا بهما كقوله تعالى:
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: ٦] لما اشترط لدفع المال إليهم بلوغ النكاح والرشد لم يبح إلا بهما وأيضا يقول تعالى: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠] ثم جاءت السنة باشتراط الوطء فوقف التحليل على الأمرين جميعا وهما انعقاد النكاح ووقوع الوطء فكذا هاهنا.
٤ - أن فعل (تطهر) لا يستعمل إلا فيما يكتسبه الإنسان وهو الاغتسال بالماء فأما انقطاع الدم فليس بمكتسب وقراءة (حتى يطّهّرن) والتشديد يدل على المبالغة فى الطهارة وذلك إنما يكون بالاغتسال بالماء فعلا لا بانقطاع الدم وأصله (يتطهرن) فقلبت التاء طاء لقرب مخرجيهما وأدغمت التاء فى الطاء فصارت (يطهرن).
٥ - كلمة (إذا) فى قوله (فإذا تطهرن) تفيد الشرط والمعلق على الشرط عند عدم الشرط فوجب أن لا يجوز الإتيان إلا بعد التطهر فدل ذلك على أن المراد ب (يتطهرن) الاغتسال.
٦ - إن ظاهر قوله:(فإذا تطهرن) حكم عائد إلى ذات المرأة فوجب أن يحصل هذا التطهر فى كل بدنها لا فى بعض من أبعاض بدنها وهذا لا يتحقق إلا بالاغتسال.
[مناقشة الأدلة]
بعد عرض أدلة الفريقين يتبين لنا ضعف أدلة الحنفية وإليك بيان ذلك:
١ - أما قولهم بوجوب الوقف على قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ والاستئناف بقوله:
فَإِذا تَطَهَّرْنَ غير مسلم به لأن هذا خلاف الظاهر فإن المعاد فى الشرط هو المذكور فى الغاية بدليل ذكره (بالفاء)، ولو كان غيره لذكره (بالواو)، وأما الزيادة فلا تخرجه عن أن يكون بعينه كما فى قوله: لا تعط هذا الثوب زيدا حتى يدخل الدار فإذا دخل فاعطه الثوب ومائة درهم لكان هو بعينه ولو أراد غيره لقال: لا تعطه حتى يدخل الدار، فإذا دخل وجلس فافعل كذا وكذا هذا طريق النظم فى اللسان «١».
٢ - قولهم بأن (حتى يطهرن) بالتخفيف والتشديد تدل على انقطاع الدم غير مسلم به أيضا