للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِابْتِدَاعِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الِاتِّبَاعِ، وَإِلَى الْجَهْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْعَدْلِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُصِيبَ يَتَعَلَّقُ من الْآثَار وَاضِحٍ مَشْهُورٍ، وَالْمُرِيبَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مُتَشَابِهٍ مَغْمُورٍ.

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ فِيمَا ادَّعَيْتَ عَلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ١ فِي تَفْسِيرِ هَذَا النُّزُولِ، ثُمَّ قُلْتَ: وَيُحْتَمَلُ مَا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: إِنَّ نُزُولَهُ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ٢ كَمَا تَرَوْنَ الْقُرْآنَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَافِعًا مُشَفَّعًا وَمَاحِلًا٣ مُصَدِّقًا، فَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ثَوَابُهُ فَإِنْ جَازَ لَهُمْ هَذَا التَّأْوِيلُ فِي الْقُرْآنِ جَازَ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ نُزُولَهُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ.

فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ: لَقَدْ قِسْتَ بِغَيْرِ أَصْلٍ وَلَا مِثَالٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ. وَالْكَلَامُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ شَيْئًا قَائِمًا حَتَّى تُقِيمَهُ الْأَلْسُنُ وَيَسْتَلِينَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يقدر عَلَى الْمَجِيءِ وَالتَّحَرُّكِ وَالنُّزُولِ بِغَيْرِ منزل وَلَا يَتَحَرَّك، إِلَّا أَن تُؤْتى بِهِ وَيُنْزَلَ. وَاللَّهُ تَعَالَى٤ حَيٌّ قَيُّومٌ، مَلِكٌ عَظِيمٌ، قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، فِي عزه وبهائه يفعل مايشاء كَمَا يَشَاءُ وَيَنْزِلُ بِلَا مُنْزِلٍ ويرتفع بِلَا رَافع، وَيفْعل مايشاء بِغَيْر استعانة بِأحد، وَلَا


١ تقدم ص١٥٧.
٢ عبارَة "أَن نُزُوله أمره وسلطانه" لَيست فِي ط، س، ش.
٣ أَي مجادلًا، قَالَ الفيروزآبادي فِي الْقَامُوس ٤/ ٤٩ مَادَّة "الْمحل": "والمحال ككتاب الكيد وروم الْأَمر بالحيل وَالتَّدْبِير وَالْمَكْر وَالْقُدْرَة والجدال".
٤ لفظ "تَعَالَى" لَيْسَ فِي ط، س، ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>