للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: أن حقيقة قولهم نفي وجود الله تعالى؛ وذلك لأن الوجود المطلق لا يوجد إلا في الأذهان وليس له وجود في الخارج: فهو أمر يفرضه الذهن ولا وجود له في الحقيقة إلا مقيداً معيناً، وعلى هذا فتكون حقيقة قولهم نفي وجود الله تعالى إلا في الذهن، وهذا غاية التعطيل والكفر، وقد قرر شيخ الإسلام هذا الأصل في مواطن كثيرة من كتبه وردوده عليهم (١)، وبهذا الوجه رد على مُناظِره من الاتحادية وبين له فساد قوله بالقوانين المنطقية التي احتكموا إليها؛ فنبهه على أن (المطلق) عندهم هو: الذي لا يوجد في الخارج مطلقاً، بل لا يوجد إلا معيناً، فلا يكون الوجود المطلق موجوداً في الخارج، وهذا يعني نفي وجود الله سبحانه وتعالى، وقال له موضحا هذا: «فأنتم تثبتون أمركم على القوانين المنطقية، ومن المعروف في قوانين المنطق أن المطلق لا يوجد في الخارج مطلقا بل لا يوجد إلا معينا، فلا يكون الوجود المطلق موجودا في الخارج» (٢). إذا فهم لا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان، وذلك أن من قال: إن وجود الحق هو الوجود المطلق دون المعين: فحقيقة قوله إنه ليس للحق وجود أصلاً (٣).

قال شيخ الإسلام: «وتلخيص النكتة: أنه لو عنى به المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج فلا يكون للحق وجود أصلاً، وإن عنى به المطلق بلا شرط، فإن قيل بعدم وجوده في الخارج فلا كلام، وإن قيل بوجوده فلا يوجد إلا معيناً فلا يكون للحق وجود إلا وجود الأعيان. فيلزم محذوران:

أحدهما: أنه ليس للحق وجود سوى وجود المخلوقات.


(١) انظر: منهاج السنة (٢/ ١١٢)، (٣/ ٣٠١)، الصفدية (١/ ٩٩ - ١٠١)، (٢/ ٥ - ٦)، ودرء التعارض (٤/ ٢٥٣ - ٢٥٨)، (٥/ ٨١، ٨٤، ١٣٦)، (٦/ ١٢٤)، ونقض التأسيس (٢/ ٣٨٠)، ومجموع الفتاوى (٥/ ٢٠٢، ٢٠٧، ٢١٠).
(٢) الصفدية (١/ ٢٩٦).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٢/ ١٦٧).

<<  <   >  >>