للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يظهر فيه شيء» (١).

وتوضيح هذه الشبهة أن يقال: إن ابن حموية وأتباعه اعتقدوا أن الله بالنسبة للعالم كنور العين بالنسبة للعين، وعندهم أن هذا هو غاية التوحيد، وبناءً على هذه المقالة لا يكون بين التوحيد والإلحاد إلا فرق لطيف، بل لا يكون هناك فرق بينهما أصلاً، وذلك أن أهل الإلحاد إنما يثبتون وجود العالم وينفون وجود الخالق له، وأهل الاتحاد يثبتون الخالق ولكن يجعلون الخالق هو العالم نفسه، أو جزء منه كما أن نور العين جزء من العين، فيكون غاية قولهم هو إثبات العالم فحسب، هذا من وجه.

ومن وجه آخر: أن توحيد أهل الاتحاد هو الاعتقاد أن الله هو الوجود المطلق تجلى وظهر بأحكام الممكنات، ولذلك شبهوه هنا بنور العين، وشبهوا العالم بالأجفان العلوية والسفلية للعين، لأنهما يحافظان على ظهور النور فهما شرط في وجود النور وبذهابهما يذهب النور، فإذا ارتفع العالم ارتفعت حقيقة الله، وهذا ما نص عليه التلمساني والقونوي وابن عربي في كثير من كلامه، أن وجود الله هو عين وجود المخلوقات ليس غيرها، وعلى هذا فلا يتصور وجوده مع عدم المخلوقات، كما لا يتصور بقاء النور مع عدم الأجفان، وهذا القول إذا تأملته وجدت أنه لا فرق بينه وبين الإلحاد الذي هو حقيقة هذا المذهب وغايته (٢).

وخلاصة قولهم أنهم أقروا بوجود العالم، وأنكروا أن فوقه رب، كما أن أهل الإلحاد أقروا بوجود العالم، وأنكروا أن يكون فوقه ربا، والفرق بينهما أن الملاحدة لم يجعلوا العالم إلها، وهم جعلوه إلها (٣).

وبهذا نخلص إلى أن الخطأ الذي وقع فيه ابن حموية كان من جهتين:

أولاً: تقريره لمذهب الاتحادية، وأن الله بالنسبة للعالم كنور العين


(١) مجموع الفتاوى (٢/ ١٩٦).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٢/ ١٩٧ - ١٩٨).
(٣) انظر: المصدر السابق (٢/ ١٩١ - ١٩٢).

<<  <   >  >>