للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتاب الْوَصَايَا

يراده آخِرَ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْت، وَله زِيَاد اخْتِصَاصٍ بِالْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ، لَمَّا أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ.

عِنَايَةٌ.

وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ آخِرٌ نِسْبِيٌّ.

نَعَمْ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْفَرَائِضَ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَهُ كِتَابَ الْخُنْثَى فَهُوَ نِسْبِيٌّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ.

قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ: أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بِكَذَا إيصَاءً وَوَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً، وَالْوَصِيَّةُ والوصاة اسمان فِي معنى الصَّدْر، ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مصدر لوصي، وَقيل الايصاء: طلب الشئ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَفِي حَدِيثِ الظِّهَارِ: اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّك خَيْرًا: أَيْ اقْبَلِي وَصِيَّتِي فِيهِ، وانتصاب خيرا على الْمصدر: أَي استيصاء خير اه.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَصَّيْت إلَى فُلَانٍ تَوْصِيَةً وَأَوْصَيْت إلَيْهِ إيصَاءً، وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَة، وأوصيت إِلَيْهِ بِمَال: جعلته لَهُ اه.

وَفِي الْقَامُوسِ: أَوْصَاهُ وَوَصَّاهُ تَوْصِيَةً: عَهِدَ إلَيْهِ، وَالِاسْمُ الْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوَصِيَّةُ اه.

وَنَقَلَ الامام النَّوَوِيّ عَن أهل اللُّغَة: أَنه يُقَال: أَوْصَيْته وَوَصَّيْته بِكَذَا وَأَوْصَيْت وَوَصَّيْت لَهُ وَأَوْصَيْت إِلَيْهِ: جعلته كوصيا.

قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَة بَين الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ أَو بِاللَّامِ أَو بإلى فِي كُلًّا مِنْهَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَعَلْته وَصِيًّا، وَإِنَّ التَّعَدِّي بِإِلَى يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ، وَأَنَّ كُلًّا من الْوَصِيَّة والايصاء يَأْتِي لَهما، وَأَن التَّفْرِقَة بَين الْمُتَعَدِّي بَالَام وَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى اصْطِلَاحِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى أَوْصَيْت إلَيْهِ: عَهِدْت إلَيْهِ بِأَمْرِ أَوْلَادِي مَثَلًا، وَمَعْنَى أَوْصَيْت لَهُ: مَلَّكْت لَهُ كَذَا، فَعَدُّوا كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَتَعَدَّى بِهِ مَا تَضَمَّنَا مَعْنَاهُ.

ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ جَمْعَ وَصِيَّةٍ وَصَايَا، وَأَصْلُهُ وَصَايِيٌّ، فَقُلِبَتْ الْيَاءُ الْأُولَى هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ أَلِفِ مُفَاعِلَ.

ثُمَّ أُبْدِلَتْ كسرتها فتهة فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ الْأَخِيرَةُ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً لِكَرَاهَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ أَلِفَيْنِ.

بَقِيَ أَنَّ عُمُومَهُ لِلْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جمع لَهما كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَأْتِي اسْمًا مِنْ الْمُتَعَدِّي بِإِلَى وَالْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ فَجمعت على وَصَايَا مرَادا بهَا كَمَا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّ ذِكْرَ بَابِ الْوَصِيّ فِي هَذَا الْكتاب على سَبِيل التَّطَفُّلِ.

فَلْيُتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَحِينَئِذٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِمَعْنَى مَلَّكَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ تَمْلِيكٌ بِزِيَادَةِ وَاوٍ، وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَصِيَّةِ فِي كَلَامِهِ ط.

قَوْلُهُ: (عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا) عِبَارَةُ الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ: عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَة اهـ ح.

قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ اه ح.

وَهَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ.

قَوْلُهُ: (لِيُخْرِجَ نَحْوَ الْإِقْرَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>