للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

مُنَاسَبَتُهُ لِلْوَصِيَّةِ أَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلِوُقُوعِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَعْدَهُ وَلِذَا أُخِّرَ عَنْهَا، ثُمَّ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَهِيَ مَا يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَفَرَائِضُ الْإِبِلِ مَا يفْرض كنت مَخَاض فِي خمسژ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهَا كُلُّ مُقَدَّرٍ فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا، ثُمَّ قيل للْعلم بمسائل الْمِيرَاث علم الْفَرَائِض، للْعَالم بِهِ فَرضِي وفارض وفراض.

مغرب.

قَوْلُهُ: (هِيَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ إلَخْ) أَيْ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ تُعَرِّفُ: أَيْ تِلْكَ الْأُصُولُ حَقَّ كُلٍّ: أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ:

أَيْ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ الْأُصُولُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ، بَلْ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ، إذْ بِدُونِهَا لَا تُعْرَفُ الْحُقُوقُ، وَلِذَا قَالُوا: مَنْ لَا مَهَارَةَ لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ فَرِيضَةً، وَدَخَلَ فِيهَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْوَارِثِ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةً أَوْ ذَا رَحِمٍ، وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالضَّرْبِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْعَوْلِ وَالرَّدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَافْهَم.

وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ كَمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ وَذُو الرَّحِمِ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرٍ غَيْرِ صَرِيحٍ، وَمَوْضُوعُهُ: التَّرِكَاتُ، وَغَايَتُهُ: إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: وَارِثٌ، وَمُورَثٌ، وَمَوْرُوثٌ.

وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ مُوَرِّثٍ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَفْقُودٍ، أَوْ تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ فِيهِ غُرَّةٌ وَوُجُودُ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيًّا حَقِيقَةً، أَو تَقْديرا كالحمل وَالْعلم بِجَهْل إِرْثه.

وأسبابه وموانعه ستأتي، وأصوله ثَلَاث: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ فِي إرْثِ (١) أُمِّ الْأُمِّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي إرْثِ أم الاب بِاجْتِهَاد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي عُمُومِ الْإِجْمَاعِ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ فِي أُمِّ الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ.

أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ) الْأَوْلَى قَدَّرَهُ كَمَا قَالَ الريلعي لِأَنَّهُ مَعْنَى الْفَرْضِ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة) * (الْحَج: ٧٨) ، * (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) * (آل عمرَان: ٩٧) ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا.

زَيْلَعِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ) أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَشْمَلُ الْإِجْمَاعَ، وَاحْترز بِهِ على الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ لِخَفَاءِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي التَّخْصِيصِ بِمِقْدَارٍ دُونَ آخَرَ، ثُمَّ إنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَتِهِ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: وَجْهِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَقِيلَ: أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَتَصْدُقُ بِأَنَّهُ نِصْفُ الْعلم، وَلَا نبحث عَن وَجهه.


(١)
قَوْله: (فِي إِرْث الام بِشَهَادَة إِلَخ) أَي بِشَهَادَتِهِمَا لَدَى عمر على تَوْرِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله لَام الام وَلم يرد توريثهما فِي كتاب الله تَعَالَى اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>