للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتاب الْمُضَاربَة

قَالَا منلا مِسْكين: هِيَ كالمصالحة من حَيْثُ إِنَّهَا تَقْتَضِي وجود الْبَدَل من جَانب وَاحِد اهـ.

قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل، لَان الصُّلْح إِذا كَانَ عَن مَال بِإِقْرَار يكون بيعا وَالْبيع يَقْتَضِي وجود الْمُبَادلَة من الْجَانِبَيْنِ اهـ.

وَأجَاب عَنهُ أَبُو السُّعُود عَن شَيْخه بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة اشْتِرَاك الْمُضَاربَة وَالصُّلْح فِي الْوُجُود الصُّورِي، وباعتباره يكون قاصرا على الْمصَالح عَلَيْهِ، وَلَا شكّ أَن وجوده من جَانب وَاحِد كرأس مَال الْمُضَاربَة.

وَأما اعْتِبَار الصُّلْح عَن مَال بِإِقْرَار بيعا فبالنظر إِلَى الْمَعْنى كَمَا لَا يخفى اهـ.

أَي أَنه لَا يلْزم فِي الْمُنَاسبَة أَن تكون من كل الْوُجُوه وَقد اعْتبرت هُنَا فِي قسمَيْنِ من الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو سكُوت.

قَوْله: (هِيَ مفاعلة) لكَونهَا على غير بَابهَا.

قَوْله: (وَهُوَ السّير فِيهَا) قَالَ الله تَعَالَى: * ((٧٣) وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله) * (المزمل: ٠٢) يَعْنِي يسافرون للتِّجَارَة، وَسمي هَذَا العقد بهَا لَان الْمضَارب يسير فِي الارض غَالِبا لطلب الرِّبْح، وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى - يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله - وَهُوَ الرِّبْح وَأهل الْحجاز يسمون هَذَا العقد مقارضة، وَهُوَ مُشْتَقّ من

الْقَرْض لَان صَاحب المَال يقطع قدرا من مَاله ويسلمه لِلْعَامِلِ.

وأصحابنا اخْتَارُوا لَفْظَة الْمُضَاربَة لكَونهَا مُوَافقَة لما تلونا من نظم الْآيَة، وَهِي مَشْرُوعَة لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا من الْجَانِبَيْنِ، فَإِن من النَّاس من هُوَ صَاحب مَال وَلَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّف، وَمِنْهُم من هُوَ بِالْعَكْسِ فشرعت لتنتظم مصالحهم، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث وَالنَّاس يتعاملون بهَا فأقرهم عَلَيْهَا وتعاملتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَلا ترى إِلَى مَا يرْوى أَن عَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَ إِذا دفع مَالا مُضَارَبَة شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يسْلك بِهِ بحرا وَلَا ينزل وَاديا وَلَا يَشْتَرِي ذَات كبد رطب، فَإِن فعل ذَلِك ضمن، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله (ص) فَاسْتَحْسَنَهُ فَصَارَت مَشْرُوعَة بِالسنةِ والاجماع.

كَذَا ذكره الزَّيْلَعِيّ.

وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْكِتَابَيْنِ من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على الاسترباح.

أما الْمُضَاربَة فَإِن مبناها على هَذَا.

وَأما الصُّلْح فَإِن الْمصَالح من الْمُدعى عَلَيْهِ مستربح سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو عَن إِنْكَار أَو عَن سكُوت.

عَيْني.

قَوْله: (وَشرعا عقد شركَة) قَالَ فِي النِّهَايَة: وَمن يحذو حذوه أَنَّهَا دفع المَال إِلَى غَيره ليتصرف فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا.

وَرجح البرجندي هَذَا التَّعْرِيف، وَضَعفه صَاحب التكملة بِأَن الْمُضَاربَة لَيست الدّفع الْمَذْكُور، بل هِيَ عقد يحصل قبل ذَلِك أَو مَعَه.

ثمَّ عقد الشَّوْكَة فِي الرِّبْح لَا يسْتَلْزم وجود الرِّبْح، فَلَا يرد عَلَيْهِ أَنه قد لَا يُوجد الرِّبْح أصلا، وَخُرُوج الْفَاسِدَة عَن التَّعْرِيف لَا يقْدَح فِيهِ لانها تنْقَلب حِينَئِذٍ إِلَى الاجارة كَذَا أَفَادَهُ المنلا عبد الْحَلِيم.

قَوْله: (فِي الرِّبْح) وَإِن لم يشتركا فِي الرِّبْح خرج العقد إِلَى البضاعة أَو الْقَرْض.

قَالَ فِي الْبَحْر: فَلَو شَرط الرِّبْح لاحدهما لَا تكون مُضَارَبَة اهـ.

وَيجوز التَّفَاوُت فِي الرِّبْح، وَإِذا كَانَ المَال من اثْنَيْنِ فَلَا بُد من تساويهما فِيمَا فضل من الرِّبْح، حَتَّى لَو شَرط لاحدهما الثُّلُثَانِ وَللْآخر الثُّلُث فِيمَا فضل فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي رَأس المَال اهـ.

كَمَا يَأْتِي

قَوْله: (بِمَال من جَانب الخ) أَي هَذَا مُسَمّى الْمُضَاربَة، وَأما كَونه إيداعا ابْتِدَاء فَلَيْسَ هُوَ مفهوما لَهَا بل هُوَ حكمهَا كَمَا ذكره، لانه ترك مَاله فِي يَد غَيره لَا على طَرِيق الِاسْتِبْدَال وَلَا الْوَثِيقَة فَيكون أَمَانَة، فَهُوَ دَاخل فِي معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>