أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْت مُخَالَفَةَ هَذَا الْبَحْثِ لِلْمَنْقُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ الْبُطْلَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى تِلَاوَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ، لِمَا فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَعْلُومَ لِأَحَدٍ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي اه.
وَكَذَا الْمُدَرِّسُ إذَا دَرَّسَ فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى لِتَعَذُّرِ التَّدْرِيسِ فِي مَدْرَسَتِهِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا قُبَيْلَ الْفُرُوعِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَنَحْوِهِ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم.
بَاب الْوَصِيَّة بِالْخدمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة
لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا.
عِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ) أَي لمعني، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ، وَبِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَعْلُومٍ، لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَالْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى لَا يُتَصَدَّقُ بِهَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهَا، وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَعْلُومٍ.
وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ وَتَمَامُ الْفَرْقِ فِي الْبَدَائِع اهـ.
سَائِحَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) وَإِنْ أَطْلَقَ فعلى الابد، وَإِن أوصى بِسِنِينَ فَعَلَى ثَلَاثٍ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ.
اه.
مِسْكِينٌ.
قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْوَقْفِ) فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ.
قَوْلُهُ: (وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مَعْنَى الْغَلَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ لِمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الاعيان الَّتِي أوصى فِيهَا، فَإِن كَانَ رقبها مِقْدَارَ الثُّلُثِ جَازَ، وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا، فَإِذَا صَارَتْ الْمَنَافِعُ مُسْتَحَقَّةً وَبَقِيَتْ الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ لَهَا، فَلِذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ
كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهَا اه.
أَقُولُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ: إنَّ التَّبَرُّعَ بِالْمَنَافِعِ نَافِذٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (تُقْسَمُ الدَّارُ أَثْلَاثًا) زَادَ فِي الْغُرَرِ: أَوْ مُهَايَأَةً: أَيْ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، وَالْأَوَّلُ أَعْدَلُ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ بِالْأَجْزَاءِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا اه.
قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَة، وَإِلَّا بالمهايأة لَا غَيْرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.