وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ كَالْمَيِّتِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّهْيِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالصِّلَةِ، وَمَا فِي السِّيَرِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الصِّلَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ، فَصَارَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الصِّلَةِ فَقَطْ.
أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت نَص الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي مُوَطَّئِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ: وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِالْهَدِيَّةِ إلَى الْمُشْرِكِ الْمُحَارِبِ مَا لَمْ يُهْدَ إلَيْهِ سِلَاحٌ أَوْ دِرْعٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا اه.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ) فَإِذَا أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِجَمِيعِ مَالِهِ جَازَ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا أَفَادَهُ الْمُنْلَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُنْلَا خُسْرو.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِوَارِثِهِ) أَيْ الْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ.
قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَن الناطفي طكر عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا عَيَّنَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْئًا كَالدَّارِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي سَائِرِ التَّرِكَةِ حَقٌّ يَجُوزُ.
وَقِيلَ هَذَا إذَا رَضِيَ ذَلِكَ الْوَارِثُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ كَتَعْيِينِ بَاقِي الْوَرَثَةِ مَعَهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اه.
قُلْت: وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ: قِيلَ جَازَ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ وَقِيلَ: لَا اه.
فَرْعٌ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ اجْتَمَعَ قَرَابَةُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ: إنْ كَانُوا وَرَثَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَيْهِمْ لِتَعَاهُدِهِ فَيَأْكُلُونَ مَعَ عِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً جَازَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَوْ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ اه.
قَوْلُهُ: (وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ، سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجَرْحِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ.
زَيْلَعِيٌّ.
أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِعْجَالِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْقَاتِلِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بأجله.
تَأمل.
فَرْعٌ: جَرَحَهُ رَجُلٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ جَازَتْ لِلْجَارِحِ، لانه لَيْسَ بِقَاتِل.
ولولوالجية.
قَوْله: (لَا تسببا) كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ حَقِيقَةً.
قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَي فِي كتاب الْجِنَايَات.
قَوْله: (إِلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ.
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَإِجَازَةُ الْمَرِيضِ كَابْتِدَاءِ وَصِيَّةٍ) فَإِذَا كَانَ وَارِث الْمُوصي مَرِيضا فَأجَاز الْوَصِيَّة هُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ: إنْ بَرِئَ صَحَّتْ إجَازَتُهُ وَإِنْ مَاتَ من ذَلِك الْمَرَض، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَا تَجُوزُ إجَازَتُهُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ وَرَثَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا تَجُوزُ إجَازَتُهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ إلَخْ) بِأَنْ يُقَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُجِيزِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَكُونَ)