الْحَقِيقِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ الْوَاجِبُ ثُمَّ النَّفَلُ كَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً إلَخْ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي
الْفَرْضِيَّةِ وَغَيرهَا قدم مَا قدمه.
وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ.
وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ الخ، وَمثله فِي الِاخْتِيَار والقهستاني.
فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بَعْضُ الْفَرَائِضِ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا تَقْدِيمٍ مِنْ الْمُوصِي إذَا تَسَاوَتْ قُوَّةً: أَيْ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَرَائِضَ حَقِيقَة احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا وَاجِبَاتٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَقْدِيم بَعْضِ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ، وَبِالْأَوَّلِ الْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد: كل شئ كَانَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَأَوْصَى بِهِ رَجُلٌ وَالثُّلُثُ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ تَطَوُّعًا بَدَأَ بالاول مِمَّا نطق بِهِ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِرِهِ أَوْ يُنْتَقَصُ الثُّلُثُ فَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّهُ فَرِيضَةً بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتَّى يَكُونَ النُّقْصَانُ عَلَى الْآخِرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ تَطَوُّعًا وَبَعْضُهُ فَرِيضَةً أَوْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بُدِئَ بِالْفَرْضِ أَوْ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي نُطْقِهِ.
قَالَ هِشَامٌ: إلَى هُنَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا.
وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ إلَخْ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ - يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا، فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا، وَهُمَا عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ الْوَعِيدِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ إلَخْ.
وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ.
أَقُولُ: صَدْرُ تَقْرِيرِهِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَآخِرُهُ لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُفَرِّعًا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخِرِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى تُخَالِفُهُمَا، وَأَنَّ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَعِيفٌ.
فَتَدَبَّرْ.
وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَحَلَّ، فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ تُقَدَّمُ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِقُوَّتِهَا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، ثُمَّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِوُجُوبِهَا بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِيَةُ بِإِيجَاب حُرْمَة على نَفسه، وَلنَا فِيهِ نظ ر لانه خلاف الْمَنْصُوص من الرِّوَايَة، لانه لَا تُقَدَّمُ الْفَرَائِضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ بَلْ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي، وَقَدْ مَرَّ نَصُّ الْكَرْخِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْوَعِيدُ، وَمِثْلُ
هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي شئ مِنْ الْكَفَّارَاتِ اه.
وَأَرَادَ بِالْبَعْضِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ.
أَقُولُ: وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ الْأَتْقَانِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الْكَفَّارَاتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالشَّارِحُ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَلَيْهِ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى بَعْضٍ إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ، كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَبِهِ يَسْقُطُ النَّظَرُ، فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ ثُمَّ يَمِينٍ ثُمَّ ظِهَارٍ) تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إفْطَارٍ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْفِطْرَةِ لوُجُوبهَا بالاجماع وبأخبار مستفيضة عَلَى كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى النَّذْرِ، لِأَنَّهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُقَدَّمُ