للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ وَقْفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَرْكَبَةً وَقْفًا يَكُونُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ وَقْفُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِلْآثَارِ، وَلِلْإِبِلِ حُكْمُ الْكُرَاعِ اه.

قَوْلُهُ: (وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ.

أَقُولُ: وَجَوَابُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً حَقِيقِيَّةً، إذْ هِيَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، كَالْوَصِيَّةِ بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَإِنَّهَا وَقْفٌ فِي الْمَعْنَى وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا هَذِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ أَصْلًا، فَتَدَبَّرْ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَجُزْ) كَذَا فِي الْغُرَرِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

فصل فِي وَصَايَا الذِّمِّيّ وَغَيره أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ وَصَاحِبِ الْهَوَى وَالْمُرْتَدَّةِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سَاقِطَةٌ فِي الْمِنَحِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ لَا.

وَالثَّانِي: بَاطِل الِاتِّفَاق، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ (١) وَالنَّائِحَاتِ، أَو لما هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ كَالْحَجِّ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا.

وَالثَّالِثُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لِمُعَيَّنِينَ جَازَ إجْمَاعًا.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ إسْرَاجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا الالزام فيفعلون بِهِ مَا شاؤوا لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُم.

زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَيْ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي


(١) قوه: (أوصى الْمُغَنِّيَات إِلَخ) الذى تقدم الْوَصِيَّة للفساق صَحِيحَة مَعَ الْكَرَاهَة وَلَعَلَّ الصَّوَاب أوصى بِالْغنَاءِ والنياحة فَإِنَّهُ وَصِيَّة بِنَفس الْمعْصِيَة اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>