للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ تَقْدِيم اهـ.

قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ يَزْدَادُ نَصِيبُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا بِحَسَبِ الْمَالِ، وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا يَخْرُجُ نَصِيبُ الْوَارِثِ وَيُقَدَّمُ عَلَى قسْمَة التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة لما تلونا اهـ.

وَالْحَاصِل: أَنه لَا خلاف فِي تَقْدِيم الْوَصِيّ بِعَيْنٍ كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ مَثَلًا، بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا، فَتُفْرَزُ وَحْدَهَا وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مَا سِوَاهَا.

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ: فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا شائعة فِي التَّرِكَة بِزِيَادَتِهَا، وَبِالْعَكْسِ قَالَ: لَا تَقْدِيمَ فِيهَا بَلْ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ دَائِمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْأَخْذِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ قَالَ: إنَّهَا مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْرِزْ نَصِيبَهُ أَوَّلًا بَلْ اُعْتُبِرَ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ لَزِمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مَعَهُمْ كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَة مثلا وَيلْزم مِنْهُ الْخلَل، ومثلا لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأَوْصَتْ بِالثُّلُثِ لِزَيْدٍ فَيَخْرُجُ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ أَوَّلًا، فَيَأْخُذُ زَيْدٌ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْ سَبْعَةٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تُقْسَمَ التَّرِكَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، فَيَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ اثْنَيْنِ، وَالزَّوْجُ ثَلَاثَةً، وَالشَّقِيقَتَانِ أَرْبَعَةً، فَيَنْقُصَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يُسَلِّمُ مَا قَالَهُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ إخْرَاجَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا هَلْ يُسَمَّى تَقْدِيمًا أَمْ لَا؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ السَّابِقُ، وَكَذَا كَلَام صَاحب الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي الْقَوْلِ بِالْمُشَارَكَةِ،

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ يُقَدَّمُ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُشَارَكَةِ وَالتَّقْدِيمِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ الَّذِي هُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى: * (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَن دَيْنٍ) * (النِّسَاء: ١١) .

قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ) لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِلَا عِوَضٍ فَتَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَا تَطِيبُ نُفُوسُهُمْ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرًّا وَطَاعَةً، وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الزَّمَخْشَرِيّ.

قَوْلُهُ: (بَلْ خَامِسًا) بِاعْتِبَارِ الْبُدَاءَةِ قَبْلَ التَّجْهِيزِ بِعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ فَهِيَ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ.

قَوْلُهُ: (يُقْسَمُ الْبَاقِي) لَمْ يقل يقدم كَمَا قَالَ فِي سَابِقِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يقدم عَلَيْهِ.

قَوْله: (أَي الدّين ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ) أَيْ الْقُرْآنِ، وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ السُّنَّةِ) أَوْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَتَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا كَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْجَدَّةِ أُمِّ الام، أَو وقلا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ، أَفَادَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِجْمَاعِ) أَيْ اتِّفَاقِ رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَآله فِي عَصْرٍ مَا عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَوْلُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ كَإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، لِيَشْمَلَ مَنْ اخْتَلَفَ فِي رواثته كَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلِأَنَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي وِرَاثَتِهِ دَلِيلُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ الْكتاب أَو

<<  <  ج: ص:  >  >>