للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ وَقُلْنَا: الْمِيرَاثُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي تَوْرِيثِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ عَصَبَةِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ الْعُصُوبَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ أَضْعَفُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَفِي الحَدِيث بَيَان أَنَّهَا تحرز الاحراز لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْرِزَ فَرْضًا وَرَدًّا لَا تَعْصِيبًا.

وَأَمَّا حَدِيثُ: عَصَبَتُهُ قَوْمُ أُمِّهِ فَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى الْعُصُوبَة، وَهِي الرَّحِم، لَا فِي إِثْبَات حقيق الْعُصُوبَة اهـ

مُلَخَّصًا.

وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: قَوْلُهُ وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مَوْلَى أُمِّهِمَا، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ الْأُمِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إنَّمَا عَصَبَتُهُ مَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ لَهَا مَوْلًى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأُمَّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً فِي حَقِّ غَيْرِ وَلَدِ الزَّانِيَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ كَذَوِي الارحام اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا أَبَا لَهُمَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا نَصُّهُ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله ألحق ولد الملاعتة بِأُمِّهِ فَصَارَ كَشَخْصٍ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ قَرَابَةُ أُمِّهِ وَيَرِثَهُمْ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأُمًّا وَالْمُلَاعِنَ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا زوج أَو زَوْجَة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فَرْضه الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ الْمُلَاعِنِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدس وَالْبَاقِي مَرْدُود عَلَيْهِمَا، وَلَا شئ لِابْنِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ لَا أَخَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَإِذَا مَاتَ وَلَدُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَرِثَهُ قَوْمُ أَبِيهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ، وَلَا يَرِثُهُ قَوْمُ جَدِّهِ: أَعْنِي الْأَعْمَامَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ بَقِيَّة مسَائِله اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ.

أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قدمْنَاهُ حَيْثُ جعل لامه وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسَ، مَعَ أَنَّ أَخَاهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ، فَلَوْ كَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ عَصَبَةً لَهُ لَأَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْأُمِّ.

قَوْلُهُ: (وَيَفْتَرِقَانِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا.

أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ اللِّعَانِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ.

وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَ تَوْأَمًا فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ هُمَا كَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَقَالَ مَالِكٌ: كَالْأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ وَالتَّفَارِيعَ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.

تَأَمَّلْ

قَوْلُهُ: (وَتُخْتَمُ الْعَصَبَاتُ إلَخْ) أَيْ خَتْمًا إضَافِيًّا، وَإِلَّا فَالْخَتْمُ فِي الْحَقِيقَةِ بِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ تقدمه على لعصبة بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّسَبِ، فَأَشَارَ بِهَذِهِ الْعبارَة إِلَى تَأَخّر

عَنْ أَقْسَامِ الْعِصَابَاتِ النَّسَبِيَّةِ بِأَسْرِهَا، لِأَنَّ النَّسَبِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِيِّ، فَلِذَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ، وَإِلَّا بِالظَّاهِرِ الْمُنَاسِبُ لِمَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ: وَالْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ.

أَفَادَهُ يَعْقُوبُ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُعْتِقِ) الاولى مولى لعتاقة كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا تَرِثُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>