فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة أَنَّهَا: أَي الْعَدَاوَة تثبت بِنَحْوِ القدف وَقتل الْوَلِيّ اه.
مطلب الْفسق لَا يتَجَزَّأ وَلَا تقبل شَهَادَة من فِيهِ عَدَاوَة دنيوية على عدوه، وَلَا على غَيره بل تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى كَون فَاسِقًا فِي حق شخص لَا فِي حق غَيره، وَيُقَاس على عدم تُجزئ الْفسق مَا لَو كَانَ نَاظرا على أوقاف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خِيَانَة فِي وَاحِد مِنْهَا، فَإِن يسرى فِي كلهَا فيعزل مِنْهَا جَمِيعًا كَمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ الْمُفَسّر فِي فَتَاوِيهِ، وَلَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَو شهد الشَّاهِد على آخر فخاصم الْمَشْهُود عَلَيْهِ الشَّاهِد قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع إِلَيْهِ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَتبْطل شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي جَوَاب سُؤال عَمَّن شهد عَلَيْهِ شُهُود بِحَق وزكوا فتعلل الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الشُّهُود من زكاهم أَعدَاء لَهُ بِسَبَب تشاجر مَعَهم على قمار وَلعب.
فَأجَاب بعد كَلَام حَاصله: فَفِي الْحَادِثَة المسؤول عَنْهَا رُبمَا أَنه فسق بهَا، إِذْ الْعَدَاوَة جرت بَينهمَا على مَا قَالَه الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب قمار وَلعب محرمين شرعا، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الاول من الاطلاق سَوَاء فسق بهَا أَو لَا، والْحَدِيث الشريف شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد.
وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.
مطلب: الْعَدَاوَة إِذا فسق بهَا لَا تقبل شَهَادَته على أحد، وَإِن لم يقسق بهَا تقبل على غير عدوه وَقَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَصَرَّحَ يَعْقُوب باشا فِي حاشتيه بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عدوه، وَالْمَسْأَلَة دوارة فِي الْكتب فَإِذا أثبت الْمُدعى عَلَيْهِ الْعَدَاوَة ثبوتا شَرْعِيًّا فتجري الاحكام الْمَذْكُورَة من عدم صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة والتزكية الْمَذْكُورَة لثُبُوت عداوتهم بالسببين المرقومين المحرمين شرعا، وَسبب الحقد وَأَنَّهُمْ مِمَّن يفرحون لحزنه ويحزنون لفرحه اه.
وَتَمَامه فِيهِ.
فَإِن قلت: الْعَدَالَة الدُّنْيَوِيَّة فسق لانه لَا يحل معاداة الْمُسلم لاجل الدُّنْيَا، فَهَلا اسْتغنى عَنهُ بقوله
لَا تقبل شَهَادَة الْفَاسِق.
قلت: للْفرق بَينهمَا، فَإِنَّهُ لَو قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ وأثم كَمَا مر، وَلَو قضى بِشَهَادَة الْعَدو بِسَبَب النديا لَا ينفذ، لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ كَمَا نَقله المُصَنّف عَن يَعْقُوب باشا، لَكِن قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته على الدُّرَر: وَقد جَاءَت الرِّوَايَة بِعَدَمِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا مُطلقًا.
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن من العدادوة المؤثرة فِي الْعَدَالَة كعداوة الْمَجْرُوح على الْجَارِح وعداوة ولي الْمَقْتُول على الْقَاتِل.
وَمِنْهَا غير مُؤثرَة كعداوة شَخْصَيْنِ بَينهمَا وَقعت مُضَارَبَة أَو مشاتمة أَو دَعْوَى مَال أَو حق فِي الْجُمْلَة، فشهادة صَاحب النَّوْع - الاول لَا تقبل كَمَا هُوَ الْمُصَرّح فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا، وَشَهَادَة صَاحب النَّوْع الثَّانِي تقبل لانه عدل، وَبِهَذَا التَّحْقِيق يحصل التوافق بَين الرِّوَايَتَيْنِ وَبَين الْمَتْن وَالشَّرْح وَإِن لم يهتد المُصَنّف إِلَيْهِ، الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا اه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute