للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب: التَّبَرُّع وَالرُّجُوع دائر على الْجَبْر وَعَدَمه ثمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يجْبر صَاحبه كَمَا سيجئ، فَيَنْبَغِي أَن يَدُور التَّبَرُّع وَالرُّجُوع على الْجَبْر وَعَدَمه، إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا يخلصك من التحير بِمَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب من

الِاضْطِرَاب، ويرشدك إِلَى الصَّوَاب اهـ.

لَكِن عبارَة الْخُلَاصَة الَّتِي ذكرهَا الْمُؤلف تدل على أَن للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِبِنَاء الدَّار، فَإِن كَانَ كَذَلِك لم يكن مُضْطَرّا إِلَى الْبناء أَبى شَرِيكه لانه يُمكنهُ اسْتِئْذَان القَاضِي.

وَقد يُجَاب بِأَن للْقَاضِي ذَلِك إِذا كَانَ الشَّرِيك غَائِبا مثلا لانه حِينَئِذٍ لَا يُمكن طلب الْبناء مِنْهُ وَلَا الْقِسْمَة مَعَه.

فَالْحَاصِل: أَنه إِذا كَانَت الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِن أذن لَهُ شَرِيكه بنى، وَإِلَّا قسمهَا جبرا عَلَيْهِ ثمَّ بنى فِي حِصَّته، فَإِن لم يكن اسْتِئْذَانه يبْنى بِإِذن القَاضِي، وَفِيمَا عدا ذَلِك فَهُوَ مُتَطَوّع.

وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْقِسْمَة من تنقيحه أَن فِي غير مُحْتَمل الْقِسْمَة للطَّالِب أَن يَبْنِي ثمَّ يُؤجر ثمَّ يَأْخُذ نصف مَا أنْفق فِي الْبناء من الْغلَّة.

وَذكر هُنَاكَ عَن الاشباه أَنه يرجع بِمَا أنْفق لَو بنى بِأَمْر قَاض إِلَّا فبقيمة الْبناء وَقت الْبناء اهـ.

وَهَذَا هُوَ الْمُحَرر كَمَا قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّة، لَكِن هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا ذَكرُوهُ فِي السّفل إِذا انْهَدم، وَعبارَة الاشباه مُطلقَة.

وَالَّذِي يظْهر الاطلاق إِذْ لَا فرق يظْهر، فَيجْرِي ذَلِك فِي كل مَا يضْطَر فِيهِ أَحدهمَا إِلَى الْبناء كالسفل والجدار والرحى وَالْحمام وَالْبَيْت وَالدَّار الصَّغِيرَة وَالله تَعَالَى أعلم.

وَفِي الْهِنْدِيَّة: لَو ادّعى على آخر حق الْمُرُور ورقبة الطَّرِيق فِي دَاره فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يمر فِي هَذِه الدَّار لم يسْتَحق بِهَذَا شَيْئا.

كَذَا فِي الْخُلَاصَة.

وَلَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ طَرِيقا فِي هَذِه الدَّار جَازَت شَهَادَتهم وَإِن لم يَجدوا الطَّرِيق وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي الْخَانِية وَالْمُحِيط، لَكِن فِي الْمُحِيط عبر بالاصح إِذا كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح من دَاره على حَائِط فِي زقاق أنكر أهل الزقاق أَن يكون لَهُ حق الْمُرُور فِي زقاقهم فَلهم مَنعه، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على أَن لَهُ طَرِيقا ثَابتا فِيهَا.

كَذَا فِي الْمُحِيط.

إِذا كَانَ الْمِيزَاب مَنْصُوبًا إِلَى دَار رجل وَاخْتلفَا فِي حق إِجْرَاء المَاء وإسالته، فَإِن كَانَ فِي حَال عدم جَرَيَان المَاء لَا يسْتَحق إِجْرَاء المَاء وإسالته إِلَّا بِبَيِّنَة.

هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.

وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار أَيْضا أَن يقطع الْمِيزَاب.

كَذَا فِي الْمُحِيط.

وَحكى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى أَنهم استحسنوا أَن الْمِيزَاب إِذا كَانَ قَدِيما وَكَانَ تصويب

السَّطْح إِلَى دَاره وَعلم أَن التصويب قديم وَلَيْسَ بمحدث أَن يَجْعَل لَهُ حق التسييل، وَإِن اخْتلفَا فِي حَال جَرَيَان المَاء، قيل القَوْل لصَاحب الْمِيزَاب وَيسْتَحق إِجْرَاء المَاء، وَقيل لَا يسْتَحق، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن لَهُ حق المسيل وبينوا أَنه لماء الْمَطَر من هَذَا الْمِيزَاب فَهُوَ لماء الْمَطَر، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فِيهِ، وَإِن بينوا أَنه لماء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فَهُوَ كَذَلِك، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الْمَطَر فِيهِ، وَإِن قَالُوا لَهُ فِيهَا حق مسيل مَاء وَلم يبنوا أَنه لماء الْمَطَر أَو غَيره صَحَّ، وَالْقَوْل لرب الدَّار مَعَ يَمِينه أَنه لما الْمَطَر أَو لماء الْوضُوء والغسالة.

وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة فِي المسيل، وَفِي الطَّرِيق تقبل.

كَذَا فِي الْمُحِيط.

وَلَو لم تكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة أصلا اسْتحْلف صَاحب الدَّار وَيَقْضِي فِيهِ بِالنّكُولِ.

كَذَا فِي الْحَاوِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>