ادّعى عَلَيْهِ قدرا من المَال فصولح أَو ادّعى عَلَيْهِ الْقصاص وَلم يبين أَنه فِي نفس أَو طرف أَو شَتمه وَلم
يبين بِمَاذَا شَتمه، وَتقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق صِحَة الصُّلْح عَن مَجْهُول عَن مَعْلُومٍ، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازعَة، ولان الْمُصَالَحَ عَنْهُ سَاقِطٌ فَهُوَ مِثْلُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَانْظُر مَا تقدم عَن الْفَتْح أَوَاخِر الْعَيْب، وَكَونه مَجْهُولا: أَي بِشَرْط أَن يكوم مَالا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلًا، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَ عَن التَّسْلِيم الْمُدعى بِهِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الصَّكِّ وَأَبْرَأَ الْمُدَّعِيَ عَنْ جَمِيعِ دَعْوَاهُ وَخُصُومَاتِهِ إبْرَاءً صَحِيحًا عَامًّا، فَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْح لانه لم يذكر قدر المَال الْمُدعى بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ مُعَاوَضَةً أَوْ إسْقَاطًا أَوْ وَقَعَ صَرْفًا شَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْضَ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَجْلِسِ الصُّلْحِ، فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ.
وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بعده للابراء الْعَام لَا للصلح.
قَالَ فِي الْبَحْر: والجهالة فِيهِ إِن كَانَت تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة كوقوعها فِيمَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم منعت صِحَّته، وَإِلَّا لَا، فَبَطل إِن كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ، أَو عَنهُ مَجْهُولا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم كصلحه بعد دَعْوَاهُ مَجْهُولا على أَن يدْفع لَهُ مَالا وَلم يسمه اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي قَوْله جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَا بُد من بَيَانه نظر، لَان المَال بالصورة مَعْلُوم بِدَلِيل قَوْله أول عِبَارَته: ادّعى عَلَيْهِ مَالا مَعْلُوما، وَالظَّاهِر أَن لفظ مَعْلُوما زَائِد حَتَّى يتم المُرَاد تَأمل.
قَوْله: (كحق شُفْعَة) يَعْنِي إِذا صَالح المُشْتَرِي الشَّفِيع عَن الشُّفْعَة الَّتِي وَجَبت لَهُ على شئ على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي فَالصُّلْح بَاطِل، إِذْ لَا حق للشَّفِيع فِي الْمحل سوى حق التَّمْلِيك، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْر ثَابت فِي الْمحل، بل هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الطَّلَبِ، وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابلَته كَمَا فِي الدُّرَر وَأطْلقهُ.
وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: أَن يُصَالح على دَرَاهِم مَعْلُومَة على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي، وَأَن يُصَالح على بَيت معِين مِنْهَا بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَأَن يُصَالح على نصف الدَّار بِنصْف الثّمن، فَفِي الاولين يبطل الصُّلْح وَكَذَا الشُّفْعَة فِي الاول، وَيصِح الصُّلْح فِي الثَّالِث وَالشُّفْعَة لَا تبطل فِيهِ وَفِي
الثَّانِي كَمَا فِي الْمَبْسُوط وَغَيره فَظهر أَن المرد بقول الدُّرَر على شئ: دَرَاهِم مَعْلُومَة وَنَحْوهَا.
قَوْله: (وحد قذف) بِأَن قذف رجلا فَصَالحه على مَال على أَن يعْفُو عَنهُ، لانه وَإِن كَانَ للْعَبد فِيهِ حق فالغالب فِيهِ حق الله تَعَالَى والمغلوب مُلْحق بالمعدوم، وَكَذَلِكَ لَا يجوز الصُّلْح عَن حق الله تَعَالَى وَلَو ماليا كَالزَّكَاةِ، وَلَا حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر، بِأَن أَخذ زاينا أَو سَارِقا من غَيره أَو شَارِب خمر فَصَالحه على مَال على أَن لَا يرفعهُ إِلَى ولي الامر لانه حق الله تَعَالَى، وَلَا يجوز عَنهُ الصُّلْح لَان الْمصَالح بِالصُّلْحِ يتَصَرَّف إِمَّا بِاسْتِيفَاء كل حَقه أَو اسْتِيفَاء بعضه وَإِسْقَاط الْبَاقِي أَو بالمعاوضة، وكل ذَلِك لَا يجوز فِي غير حَقه كَمَا فِي الدُّرَر.
وَإِنَّمَا لَا يجوز الصُّلْح عَن حُقُوقه تَعَالَى لَان الاصل فِيهِ أَن الِاعْتِيَاض عَن حق الْغَيْر لَا يجوز، وَالْحُدُود الْمَشْرُوعَة لما كَانَت حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا أَو غَالِبا، فَلَا يجوز لَاحَدَّ أَن يُصَالح على شئ فِي حق الله تَعَالَى، وَالْمرَاد من حق الله تَعَالَى مَا يتَعَلَّق بِهِ النَّفْع الْعَام لاهل الْعَالم فَلَا يخْتَص بِهِ أحد كَحُرْمَةِ الزِّنَا، فَإِن نَفعه عَائِد إِلَى جَمِيع أهل الْعَالم وَهُوَ سَلامَة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع