بعد إجالة النظر في أقوال العلماء واستعراض أدلتهم التي اعتمدوا عليها مما ذكرته في هذا البحث ومما لم أذكره واطلعت عليه في كتبهم ولم أنقله خشية الإطالة فإني أرجح قول الفريق الثاني من العلماء وهو حصر البدعة في باب العبادات والذي رجح هذا القول عندي ما يلي:
١. إن القول بأن البدعة في الدين تنقسم إلى حسنة وسيئة مما لا أصل له في الشرع فلا دليل عليه من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد لفظ البدعة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على سبيل الذم.
وأما قول عمر - رضي الله عنه -: (نعمت البدعة هذه) فليس فيه ما يفيد أن لفظ البدعة بمجرده يطلق في الشرع على ما هو حسن وإنما يقصد بقول عمر - رضي الله عنه - البدعة بمعناها اللغوي فهي التي تنقسم إلى حسنة وسيئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي](١).
وقال الإمام الشاطبي مجيباً ومعلقاً على قول عمر نعمت البدعة: [بأن صلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتمع الناس خلفه. فخرج أبو داود عن أبي ذر قال: (صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان فلم يقم شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا؟ فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ قال، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له