وما دامت البدعة معصية فهي محرمة ويؤيد هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة). وكذلك كل ما ورد في ذم البدع مما يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد. وهذا من خصائص المحرم في الشرع، فالبدعة محرمة ولكن وكما هو معلوم فليس جميع المحرمات في رتبة واحدة بل متفاوتة، فقتل النفس بغير حق محرم والكذب محرم ولكن بينهما تفاوت فليس من يقتل بريئاً كمن يكذب، وكذلك فإن البدعة محرمة وهي متفاوتة ومنقسمة إلى صغيرة وكبيرة والكبيرة ليست في درجة واحدة بل متفاوتة أيضاً.
فأما البدعة الصغيرة فهي البدعة الجزئية الواقعة في الفروع الجزئية بشرط أن تكون مبنية على شبهة تخيل أنها شرع ودين، فإنها إذا كانت كذلك لا يتحقق دخولها تحت الوعيد بالنار الوارد في شأن البدعة وإن دخلت تحت الوصف بالضلال كما لا يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة وإن كان داخلاً تحت وصف السرقة بل المتحقق دخول عظائمها وكلياتها كمن سرق نصاباً موجباً للقطع (١).
ويرى الإمام الشاطبي أن البدعة لا تكون صغيرة إلا إذا توفرت فيها الشروط التالية:
الشرط الأول: أن لا يداوم عليها فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه، لأن ذلك ناشىء عن الإصرار عليها والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، ولذلك قالوا لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار.
الشرط الثاني: أن لا يدعو إليها فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه فإنه الذي أثارها وسبَّب كثرة وقوعها والعمل بها، فإن الحديث الصحيح قد أثبت أن كل من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً.