للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحجب، وله عندي من الكرامة والرحب والسعة. فشكرها الغزال، ودعا لها وأنصرف.

قال تمام بن علقمة: سمعت الغزال يحدث بهذا الحديث، فقلت له: وكان لها من الجمال في نفسها بعض هذه المنزلة التي صورت؟ فقال: وأبيك، لقد كانت فيها حلاوة، ولكني اجتلبت بهذا القول محبتها، ونلت منها فوق ما أردت.

قال تمام بن علقمة: وأخبرني أحد أصحابه، قال: أولعت زوجة ملك المجوس بالغزال فكانت لا تصبر عنه يوما حتى توجه فيه، ويقيم عندها يحدثها بسير المسلمين وأخبارهم وبلادهم، وبمن يجاورهم وبلادهم، وبمن يجاورهم من الأمم. فقلما انصرف يوما قط من عندها إلا اتبعته هدية، تلطفه بها من ثياب أو طعام أو

طيب، حتى شاع خبرها معه، وأنكره أصحابه، وحذر منه الغزال، فحذر وأغب زيارتها. فباحثته عن ذلك، فقال لها ما حذر منه. فضحكت، وقالت له: ليس في ديننا نحن هذا، ولا عندنا غيرة، ولا نساؤنا مع رجالنا إلا باختيارهن، تقيم المرآة معه ما أحبت، وتفارقه إذا كرهت. وأما عادة المجوس قبل أن يصل إليهم دين رومة، فألا يمتنع أحد من النساء على أحد من الرجال، إلا أن يصحب الشريفة الوضيع، فتعير بذلك، ويحجره عليها أهلها فلما سمع ذلك الغزال من قولها أنس إليه وعاد إلى استرساله.

قال تمام: كان الغزال في اكتهاله ويسما، وكان في صباه جميلا، ولذلك سمي بالغزال. ومشى إلى بلاد المجوس وهو قد شارف الخمسين وقد وخطه الشيب، ولكنه

<<  <   >  >>