كالسائل من نجيع الذبيح من الأوداج؛ فأظهر السلطان التطير بذلك وجلا، فصرف ذلك عن خاطره بإنشاده على البديهية مرتجلا:
ومجَلْس بالسّرور مُشتملٍ ... لم يَخْلُ فيه الزّجَاجُ عن أرَبِ
سَرَى بأعْطافه تَرنُّحنا ... فشقَّ أثوابهُ من الطَّرب
فسر السلطان وسرى عنه، واستحسن سماحة خاطره بهذين البيتين البديعين منه؛ وأمر له بجائزة سنية، وخلعة رائعة بهية.
وقد انتهى ما أمللته من كلام مرتجل، وبديه على عجل؛ ولولا الاستنامة إلى الإغضاء، وأن المبادرة إلى امتثال أمر السلطان أقرب إلى الإرضاء؛ لما أرعفت لليراع أنفا، ولا حملت الروية على الكاتب عنفا؛ لبعد المملوك عن بلاده، وكلب العدو في البحر على كتبه وطارفه وتلاده.
فإن وافق اجتهادي أمله، ووقفت على الغرض الذي سأله، فذلك نكتة من فضله عرضت عليه، وبضاعته ردت إليه؛ ضاعف الله له وعنده مواد الإسعاد، وأخدمه النصر في كل مبدأ، وختم له بالظفر في كل معاد، واهلك أعاديه وأبعدهم إبعاد ثمود وعاد. وصلى الله على سيد ولد آدم وأمينه على وحيه الذي بعثه في أشرف زمان، وجعله من عصمته في ذمة وأمان؛ فجد في علو كلمة الله غير مقصر ولا
وان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا أهل الزيغ والعدوان:
فهاكَ ما شئتَ من نَظْم له نَسقٌ ... كالدُّر فُصِّل فامتازتْ فرائُدُه