للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ أَمَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِقُبْحِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ، وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ بِصِحَّةِ الْأَجْزَاءِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ الْبُطْلَانِ بِالْوَصْفِ الْخَارِجِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الضَّرُورَةُ قَائِمَةً هُنَا يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَوْجُودًا شَرْعًا أَيْ صَحِيحًا.

(وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، وَالرِّبَا، وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ، وَصَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) هَذِهِ أَمْثِلَةُ الصَّحِيحِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ فَاسِدًا.

(لَكِنْ صَحَّ النَّذْرُ بِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَاسِدٌ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ.

(لِأَنَّهُ طَاعَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِهِ ذِكْرًا بَلْ فِعْلًا) ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي ذِكْرِهِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ فَلَا مَعْصِيَةَ فَصَحَّ النَّذْرُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ ذِكْرُهُ لَا فِعْلُهُ.

(فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ) ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِعْلٌ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ.

(وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ فَقَدْ نُهِيَتْ لِفَسَادٍ فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ سَبَبُهَا، وَظَرْفُهَا فَأَوْجَبَ نُقْصَانًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ لَا مِعْيَارُهَا فَلَمْ يُوجِبْ فَسَادًا فَيَضْمَنُ بِالشُّرُوعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِلصَّلَاةِ، وَظَرْفٌ لَهَا، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ الْمُلَاءَمَةُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا كَمَا فِي الْفَجْرِ وَقَضَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ، وَإِنْ وَجَبَ نَاقِصًا يَتَأَدَّى نَاقِصًا كَمَا فِي أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ يَكُونُ تَعَلُّقُهُ بِالصَّلَاةِ تَعَلُّقَ الْمُجَاوَرَةِ لَا تَعَلُّقَ

ــ

[التلويح]

يَتَقَدَّرُ بِهِ، وَيُعْرَفُ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ لَازِمٍ خَارِجٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إعْرَاضٌ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَصْفٌ لَازِمٌ لِلصَّوْمِ خَارِجٌ عَنْهُ أَيْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَفْهُومِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَرْكَ الْإِجَابَةِ مُغَايِرٌ لِلصَّوْمِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ كَتَرْكِ السُّكُونِ، فَإِنَّهُ عَيْنُ التَّحَرُّكِ وَبِالْعَكْسِ وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمَعْنِيَّةِ أَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ الصَّوْمِ فَصَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قُبْحَهُ لِغَيْرِهِ إذْ لَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ لَمَا كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَيْضًا فَوَائِدُ الصَّوْمِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرْكٌ لِلْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ، وَالْإِجَابَةُ فَمِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُفْطِرَاتِ يَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَحْسَنَةً وَمِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَى يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَالضِّدُّ الْأَصْلِيُّ لِلصَّوْمِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِاخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَالصَّوْمُ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَضْدَادِ الَّتِي هِيَ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ، وَبِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْإِجَابَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ فَتَرْكُ الْإِجَابَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ، وَتَرْكُ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ فَبَقِيَ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَكَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا.

(قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّ النَّذْرُ بِهِ) أَيْ بِالصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ نَفْسَهُ طَاعَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ هِيَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>