الْوَصْفِيَّةِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بَلْ يُوجِبُ النُّقْصَانَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْوَقْتَ مِعْيَارُهُ فَالصَّوْمُ عِبَادَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَيَكُونُ كَالْوَصْفِ لَهُ فَفَسَادُهُ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّوْمِ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي النَّفْلِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا، وَلَوْ أَفْسَدَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا أَمَّا إنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ بَلْ يَجِبُ رَفْضُهُ، فَإِنْ رَفَضَهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ.
(وَإِنْ كَانَ مُجَاوِرًا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ) هَذَا الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ إنْ كَانَ وَصْفًا لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يُوجِبُ الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ يَكُونُ دَالًّا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِقُبْحِ أَمْرٍ مُجَاوِرٍ.
(كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ) أَوْرَدْت هُنَا مِثَالَيْنِ أَحَدُهُمَا
ــ
[التلويح]
تَعَالَى وَهِيَ فِي فِعْلِ الصَّوْمِ لَا فِي ذِكْرِ اسْمِهِ وَإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلصَّوْمِ جِهَةَ طَاعَةٍ وَجِهَةَ مَعْصِيَةٍ، وَانْعِقَادُ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى حَتَّى قَالُوا لَوْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ غَدًا، وَكَانَ الْغَدُ يَوْمَ نَحْرٍ أَوْ حَيْضٍ، وَأَمَّا ضَرْبُ أَبِيهِ وَشَتْمُ أُمِّهِ فَلَا جِهَةَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ أَصْلًا، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ، وَبِالْقَوْلِ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْمَشْرُوعُ إيجَابٌ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْفِعْلِ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، وَهَذَا كَمَا جَوَّزُوا بَيْعَ السَّمْنِ الذَّائِبِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ لِإِمْكَانِ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى السَّمْنِ دُونَ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِاسْتِحَالَةِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ) يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ حَيْثُ يَفْسُدُ الصَّوْمُ دُونَ الصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ الصَّلَاةُ دُونَ الصَّوْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلصَّوْمِ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِكَوْنِهِ مِعْيَارًا لَهُ وَلِلصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُجَاوِرِ لِكَوْنِهِ ظَرْفًا لَهَا، وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمَعْنِيَّةِ أَنَّ الْمُرَكَّبَ قَدْ يَكُونُ جُزْؤُهُ كَالْكُلِّ فِي الِاسْمِ كَالْمَاءِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْحَيَوَانِ، وَالصَّوْمُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ إمْسَاكَاتٍ مُتَّفِقَةِ الْحَقِيقَةِ كُلٌّ مِنْهَا صَوْمٌ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ، فَيَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ لِكَوْنِهِ صَوْمًا فَكَانَ مَا انْعَقَدَ مِنْهُ انْعَقَدَ مَشْرُوعًا مَحْظُورًا، وَالْمُضِيُّ إنَّمَا يَلْزَمُ لِإِبْقَاءِ مَا انْعَقَدَ فَلَا يَلْزَمُ هَاهُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ وَاجِبُ التَّرْكِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ تَقْرِيرُ مَا انْعَقَدَ مَشْرُوعًا وَاجِبًا لَكِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ، بِخِلَافِ وُجُوبِ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ التَّرْكِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إبْعَاضَهَا مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يُسَمَّى صَلَاةً مَا لَمْ يَجْتَمِعْ، وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِالسَّجْدَةِ فَمَا انْعَقَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute