للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْعِبَادَاتِ، وَالْآخَرُ لِلْمُعَامَلَاتِ.

(وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِعَيْنِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ (يَبْطُلُ اتِّفَاقًا) هَذَا الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ (كَالْمَلَاقِيحِ، وَالْمَضَامِينِ، فَإِنَّ الرُّكْنَ مَعْدُومٌ فَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ النَّسْخِ فَيَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ) قَوْلُهُ فَيَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ تَعْقِيبٌ لِقَوْلِهِ، فَإِنَّ الرُّكْنَ مَعْدُومٌ فَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ قُبْحُهُ لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ الْمَلَاقِيحُ جَمْعُ مَلْقُوحَةٍ، وَهِيَ مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الْجَنِينِ، وَالْمَضَامِينُ جَمْعُ مَضْمُونٍ، وَهُوَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ مِنْ الْمَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ» فَلَمَّا كَانَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَبِيعُ مَعْدُومًا لَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْبَيْعِ فَلَا يُرَادُ حَقِيقَةُ النَّهْيِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُسْتَحِيلِ عَبَثٌ فَيَكُونُ النَّهْيُ مَجَازًا عَنْ النَّسْخِ، فَإِنَّ النَّسْخَ لِإِعْدَامِ الصِّحَّةِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ رُوعِيَّةِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ بِالنَّسْخِ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ بِالنَّهْيِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْفَصْلِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْوَصْفِ وَالْمُجَاوِرِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَصْدُقَ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَصْدُقْ فَالْجُزْءُ إمَّا صَادِقٌ عَلَى الْكُلِّ، وَهُوَ مَا يَصْدُقُ عَلَى الشَّيْءِ، وَيَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى تَصَوُّرِهِ كَالْعِبَادَةِ لِلصَّلَاةِ، وَإِمَّا غَيْرُ صَادِقٍ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ، وَالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَالْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا الْوَصْفُ فَالْمُرَادُ بِهِ اللَّازِمُ الْخَارِجِيُّ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَصْدُقَ عَلَى الْمَلْزُومِ نَحْوُ: الْجِهَادُ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَصَوْمُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ إعْرَاضٌ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ لَا يَصْدُقَ كَالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا يُوجَدُ الْبَيْعُ يُوجَدُ الثَّمَنُ لَكِنَّ الثَّمَنَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَيْسَ رُكْنَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَبِيعِ لَا مَقْصُودٌ أَصْلِيٌّ فَجَرَى مَجْرَى آلَاتِ الصِّنَاعَةِ كَالْقَدُومِ، وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ فَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَصْحَبُهُ وَيُفَارِقُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ إمَّا صَادِقٌ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا يُقَالُ الْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ اشْتِغَالٌ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ

ــ

[التلويح]

قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ عِبَادَةً مَحْضَةً يَجِبُ صِيَانَتُهَا، وَالْمُضِيُّ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الْمُضِيُّ فِي حَقِّ مَا مَضَى امْتِنَاعًا عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ، وَهُوَ وَاجِبٌ، وَفِي حَقِّ مَا يُسْتَقْبَلُ تَحْصِيلُ الطَّاعَةِ وَتَحْصِيلُ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ الْمُضِيُّ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَامْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَعْنِي إبْطَالَ الْعِبَادَةِ وَتَرْكَ الْمُضِيِّ امْتِنَاعًا عَنْ مَعْصِيَةٍ وَطَاعَةٍ وَارْتِكَابًا لِمَعْصِيَةٍ هِيَ إبْطَالُ عِبَادَةٍ فَتَرَجَّحَتْ فِيهَا جِهَةُ الْمُضِيِّ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ عِبَادَةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهَا فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي النَّفْلِ) إذْ لَا فَرْضَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا مِثْلُ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَلَاةً كَانَتْ أَوْ صِيَامًا لِوُجُوبِهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ الْمَلَاقِيحُ جَمْعُ مَلْقُوحَةٍ) مُوَافِقٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ، وَذَكَرَ فِي الْفَائِقِ أَنَّهَا جَمْعُ مَلْقُوحٍ يُقَالُ لَقِحَتْ النَّاقَةُ وَوَلَدُهَا مَلْقُوحٌ بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُ بِحَذْفِ الْجَارِّ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ) أَيْ الثَّمَنُ رُكْنَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَبِيعِ لِقَائِلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>