فإذا كان هذا شأن المخلوق على ما فيه من ضعف، فكيف الشأن بالخالق الذي له القوة جميعاً.
وبهذا يتبين أن التكرر في النزول لا يدل على تعظيم المنزّل، بل التعظيم حاصل بنزوله فقط مرة واحدة. والله أعلم.
وأما قولهم: إن في تكرر النزول تذكيراً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها خوف نسيانه.
فالجواب عن هذا أن يقال: إن الله تعالى قال: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) وقال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ).
ولن يصطفي الله لرسالته أحداً إلا إن كان مهيأ للرسالة، صالحاً لها، مع إمداده، بما يكون به صلاح الدعوة، وقوة الحجة من الأسباب المادية الحسية والمعنوية، ولرسولنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأسباب أسماها وأعلاها، كيف لا وهو سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، ورسالته أوعبت الجنس والمكان والزمان.
أفيمكن بعد هذا أن يقال إنه نسي الآية التي بين يديه، أو خفيت عليه دلالتها على تلك الحادثة حتى ينزل الوحي مرة ثانية.
إن أحداً من العلماء الراسخين لو وقع هذا منه لكان مستغرباً باعثاً على الشك في حسن فهمه لنصوص الوحي، فكيف يقال هذا في رسول الله -- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ --؟
فقول الزركشي:(قد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه وتذكيراً به عند حدوث سببه خوف نسيانه) لا يخلو من أمرين:
الأول: إن أراد أن النسيان واقع من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرهم يذكرهم بكتاب الله، وحينئذٍ تنتفي الحاجة للتكرار.
الثاني: إن أراد أن النسيان واقع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا عين الخطأ والخطل والخطر، والله المستعان.
أما استدلالهم ببعض الروايات على تكرر النزول لتعارضها في الظاهر فإليك مناقشتها: