أولاً: الفاتحة فقد ذهب بعض أهل العلم إلى نزولها مرتين ظنا منهم أنها نزلت مرة في مكة، ومرة في المدينة.
وقد استُدل على نزولها بمكة بأن الله ذكرها في سورة الحجر بقوله:(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ومما يدل على أن المراد بالآية هنا سورة الفاتحة ما روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أُصلي في المسجد، فدعاني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أُصلي فقال:(ألم يقل اللَّه: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ثم قال لي: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد)، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال:(الحمد للَّه رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه).
وجه الدلالة من الحديث على أنها مكية أن اللَّه تعالى ذكر إيتاءها رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة الحجر، وهذه السورة مكية كلها.
قال ابن عاشور:(حكي الاتفاق عليها).
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون الفاتحة قد نزلت قبل سورة الحجر، وبناءً عليه لا بد أيضًا أن يكون نزولها في مكة.
أما من استدل على نزولها بالمدينة فاحتج بما روى مسلم عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: بينما جبريل قاعد عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم. فنزل منه ملك. فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أُوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرا بحرف منهما إلا أُعطيته.