أما الثاني: وهو الامتناع من النساء فقد دلّ عليه حديث البراء عند البخاري مجملاً وجاء مفصلاً عن كعب بن مالك وابن عبَّاسٍ وابن أبي ليلى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لكن في أسانيدها كلام - سطرته في الحاشية - ومع هذا فمجموع هذه الأحاديث يدل على ثبوت هذه القصة لا سيما أن لها أصلاً عند البخاري.
وأما قول الطبري:(كانت خيانتهم أنفسهم في شيئين أحدهما المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حرامًا ذلك عليهم).
فهذا غريب منه لأن الخيانة لم تقع في الطعام والشراب، ولا ذكرها اللَّه في سياق الطعام والشراب، بل لو وقع ذلك لما غشي على صرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسبب الجهد والجوع.
* مسألة:
هل التحريم يحصل بالنوم وحده، أو بصلاة العشاء وحدها أو بالسابق منهما؟
فالجواب: أن حديث ابن عبَّاسٍ يدل على تعلق التحريم بصلاة العشاء وحدها لقوله: (إذا صلوا العتمة) وسائر الأحاديث التي معنا تعلق التحريم بالنوم وحده ولهذا قال ابن حجر: (اتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدًا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره، وقُيد المنع من ذلك بحديث ابن عبَّاسٍ بصلاة العتمة وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر، ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبًا، والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث) اهـ.
وعندي - واللَّه أعلم - أن قول الحافظ مؤيد بما جاء في حديث كعب بن مالك:(فرجع عمر من عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة وقد سهر عنده فوجد امرأته قد نامت) فقوله: (سهر عنده) يقتضي سهرُه أن يتجاوز صلاة العشاء، وحينئذٍ يكون الأمر بيِّنا ظاهرًا عند عمر لا اشتباه فيه.
ثم امرأته أيضًا احتجت بالنوم ولو كان التحريم معلقًا بصلاة العشاء، لقالت: قد صليت العشاء لأنها لن تنام قبل الصلاة.