البغوي فإنه لما ساق الحديث عند آية النساء قال:(وكان بدء التيمم ما أخبرنا أبو الحسن ... ) إلى أن ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها -.
وقال القرطبي في سورة النساء بعد ذكر الروايات:(وهذا كله صحيح المعنى وليس اختلاف النقلة في العقد والقلادة ولا في الموضع ما يقدح في الحديث ولا يوهن شيئًا منه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصودَ به إليه هو نزول التيمم .. إلى أن قال: فهذا ما جاء في بدء التيمم والسبب فيه). اهـ.
وقال ابن كثير في نفس الموضع:(ذكر سبب نزول مشروعية التيمم وإنما ذكرنا ذلك هاهنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل ولا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هاهنا وباللَّه الثقة) ثم ساق الأحاديث.
وقال السعدي في سورة النساء:(وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه الأمة وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء، ولله الحمد) اهـ.
وقال ابن عاشور في سورة النساء:(وقد شرع بهذه الآية حكم التيمم، أو قُرر شرعه السابق في سورة المائدة على الأصح) اهـ.
ومراده بالجملة الثانية: أن الله قرّر في سورة المائدة ما شرعه سابقًا في سورة النساء.
ومما يدل على هذا الفهم قوله في سورة المائدة: (إذا جرينا على ما تحصحص لدينا وتمحص من أن سورة المائدة هي من آخر السور نزولاً، وأنها نزلت في عام حجة الوداع جزمنا بأن هذه نزلت هنا تذكيرًا بنعمة عظيمة من نعم التشريع وهي مِنَّة شرع التيمم عند مشقة التطهر بالماء، فجزمنا بأن هذا الحكم كله مشروع من قبل وإنما ذكر هنا في عداد النعم التي امتن اللَّه بها على المسلمين، فإن الآثار صحت بأن الوضوء والغسل شرعًا مع وجوب الصلاة، وبأن التيمم شُرع في غزوة المريسيع سنة خمس أو ست. وقد تقدم لنا في