للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما قول الطبري: إن الآية نزلت في اليهود، فقد قال ابن العربي معقباً على هذا القول: (وهذا ما لم يصح فإنه لم يبلغنا أن أحدًا من اليهود حارب ولا أنه جوزي بهذا الجزاء) اهـ.

وعندي - والله أعلم - أن احتجاج الطبري بالسياق ليس بظاهر لأن الآيات تتحدث عن الفساد في الأرض عموماً ابتداء بابني آدم حيث قتل أحدهما أخاه، ثم ذكر بني إسرائيل وفسادهم ثم حذرنا من الحرابة والفساد في الأرض، ثم عقب ذلك بعقوبة السرقة وحد القطع فالآيات تتحدث عن الفساد في الأرض انتقالاً من طائفة إلى أخرى ومن أمة إلى أمة ومن نوع إلى نوع حيث بدأ بالقتل وختم بالسرقة.

وأما القول بأن الآية نزلت في المشركين فإسناده حسن إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكن يعكر عليه أمور:

أولاً: قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) قال القرطبي: (وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم) اهـ.

وأقول: هذا الإجماع الذي ذكره القرطبي في الإسلام بعد القدرة، فكيف قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه) هذا خلاف الآية ابتداء وانتهاء. وإذا كان الإجماع منعقدا على قبول التوبة بعد القدرة فقبلها من باب أولى.

ثانياً: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الإسلام يهدم ما قبله) وهذا قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن العاص عند البيعة حين أراد اشتراط مغفرة ما سلف مع أن عمراً لا يرتاب أحد أنه قد نال من المسلمين كثيرًا قبل إسلامه، ومع هذا فقد أُخبر بأن الإسلام يهدم ما كان قبله، ولم يطالب بضمان ما أتلف من الدماء والأموال قبل ذلك.

ثالثاً: ثبت في الصحيح عن أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية فصبحنا الحُرُقات من جهينة فأدركت رجلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>