للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: لا إله إلا اللَّه فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أقال لا إله إلا اللَّه وقتلته) قال: قلت: يا رسول اللَّه إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا).

الشاهد من الحديث: أن الرجل أسلم بعد القدرة عليه ولما قتله أُسامة عوتب على ذلك عتابًا شديداً.

فالحديثان المتقدمان والآية قبلهما نصوص ثابتة في أن توبة الكافر مقبولة سواء أكان ذلك قبل القدرة عليه أم بعدها، وهذا لا يتفق مع قوله تعالى في سياق آية الحرابة (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن المفهوم من الآية، والمستقر عند العلماء أن التوبة بعد القدرة لا تغير من الأمر شيئاً.

قال السعدي: (ودل مفهوم الآية على أن توبة المحارب - بعد القدرة عليه - أنها لا تسقط عنه شيئاً) اهـ.

وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال: إن آية الحرابة نزلت في المشركين مع ما بينهما من الفروق.

رابعاً: أني مع قصوري وتقصيري لا أعلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هذه العقوبة، وأنزل هذا الجزاء بأحد من المشركين الأصليين، بل كان - عليه الصلاة والسلام - حين تقتضي المصلحة قتلهم لا يتجاوز القتل المعتاد.

أما القول بأن الآية نزلت في العرنيين لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك، فإنه قد تبين من دراسة أسانيد هذه الأحاديث أن ذكر نزول الآية فيها وهم، وبناءً على هذا فلا دليل حينئذٍ على أن الآية نازلةٌ بسببهم، وإذا كان الأمر دائراً بين وجود السبب وعدمه فالأصل العدم حتى يقوم دليل صحيح صريح على ذلك.

فلم يبق إلا القول الرابع وأنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد وهذا هو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>