أما حديث عمران بن حصين في قصة الرجل الذي عض يد أخيه فلا تصح أن تكون سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية:
١ - أن ذكر نزول الآية شاذ غير محفوظ وتبين تفصيل ذلك في دراسة الإسناد.
٢ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك. أقول: إذا كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص ثم يقال فأنزل اللَّه:(وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ). مع أن شأن القصاص أكبر من الدية، والله قال في نفس الآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فيمنعه من الدية ويأذن له بالقصاص حسب دلالة هذا السبب، هذا من التناقض، وصدق اللَّه القائل:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢).
٣ - أن المفسرين أعرضوا عنه فلم يذكروه في موضعه مما يدل على عدم حجيته عندهم.
٤ - أن الشنقيطي ذكر أن الآية نزلت في شأن اليهود بالإجماع، وإذا كانت كذلك فكيف يقال إنها نزلت في شأن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
أما السبب الثاني وهو أن الآية نزلت في شأن بني قريظة والنضير فالحق أنها تتفق مع السياق القرآني فقولهم:(فدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يُعطكم حذرتم فلم تحكموه) يوافق قوله تعالى: - (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لا يخالف قوله في الحديث فدسوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والمنافق هو الذي يؤمن بفيه دون قلبه لكن يعكر على هذا أن إسناد الحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد، وأيضاً هو معارَض بحديث البراء الثابت في الصحيح.
وابن العربي ذكر علة ثالثة وهي أن بني قريظة اشتكت، والشكوى شيء غير التحكيم المنصوص عليه في سياق الآيات.