والظاهر - واللَّه أعلم - أن في هذه الأسباب تفصيلاً فيقال:
أما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في سؤالهم عن الحج أفي كل عام؟ فقد تبين من دراسة إسناده أنه لا يحتج به على النزول بسبب ضعف إسناده المفصلِ في موضعه.
وأما حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البخاري قال: كان قوم يسألون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاءً. فقد علق عليه ابن عاشور بما يفيد استبعاده لذلك فقال:
أولاً:(أن البخاري قد انفرد برواية الحديث دون غيره.
ثانياً: أن هؤلاء القوم من المنافقين لأن المؤمنين لا يستهزئون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويكون الخطاب بالذين آمنوا أي أظهروا الإيمان.
ثالثاً: أن هذا رأي من ابن عبَّاسٍ، وهو لا يناسب افتتاح الآية بخطاب الذين آمنوا إلا أن يراد تحذير المؤمنين من مقاصد المستهزئين كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا). اهـ بتصرف.
وعندي - والله أعلم - أن انفراد البخاري بالحديث ليس علة تقدح فيه، فشأن البخاري أجلُّ من القدح في حديث انفرد بإخراجه.
وأما القول بأن هؤلاء المستهزئين منافقون فضعيف أيضاً فأول الآية صُدر بنداء الإيمان، وآخرها ختم بالمغفرة والحلم، وليس هذا شأن اللَّه مع المستهزئين واقرأ قول اللَّه:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
فلم يبق إلا أن هذا رأي ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومما يؤيد هذا أنه خالف أنساً وأبا موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أن سببها كثرة الأسئلة التي لا نفع فيها ولا طائل تحتها.
وأما حديث أبي موسى فمجمل فسره حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.