وأما حديث أنس فرواته كثيرون، وشهرته ظاهرة، وموافقته لسياق الآية القرآني غير خافية، وذلك أن الله قال:(لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فقد روى مسلم في حديث أنس قال: قال ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابني قط أعقَّ منك؟ أَأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقته.
فماذا سيكون حال عبد الله لو ظهر على لسان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خافت منه أم عبد اللَّه؟
قال ابن عاشور:(إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) أي إن تُظهر لكم وقد أخفيت عنكم يكن في إظهارها ما يسؤكم) اهـ.
وأيضاً فقوله تعالى:(لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يوافق ما روى البخاري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في سياق الحديث قال: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال:(النار).
فما الظن بحال الرجل، وقد أُخبر أن مدخله النار بعد أن كان هذا خافيًا عليه؟
قال ابن عاشور:(ومنها ما ساءهم جوابه، وهو سؤال من سأل أين أبي، أو أين أنا فقيل له: في النار فهذا يسوءُه لا محالة) اهـ.
وأيضاً فقوله تعالى:(لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ... ) إلى قوله: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) يوافق ما روى الشيخان واللفظ لمسلم عن سعد بن وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: