يتغطون بها، يعلمهم في تلك الحال، التي هي من أخفى الأشياء، بل (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ) من الأقوال والأفعال (وَمَا يُعْلِنُونَ) منها، بل ما هو أبلغ من ذلك وهو (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي: بما فيها من الإرادات، والوساوس، والأفكار، التي لم ينطقوا بها سراً ولا جهراً، فكيف تخفى عليه حالكم، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه) اهـ.
وقال الشنقيطي:(قال بعض العلماء معنى (يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ) يغطون رؤوسهم لأجل كراهتهم استماع كلام الله كقوله تعالى عن نوح: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ).
وقيل: كانوا إذا عملوا سوءاً ثنوا صدورهم، وغطوا رؤوسهم يظنون أنهم إن فعلوا ذلك أخفوا به عملهم على الله جل وعلا. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:(لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) اهـ.
وقال ابن عاشور:(حُوِّل أسلوب الكلام عن مخاطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما أُمر بتبليغه إلى إعلامه بحال من أحوال الذين أمر بالتبليغ إليهم في جهلهم بإحاطة علم الله تعالى بكل حال من الكائنات من الذوات والأعمال ظاهرها وخفيها، فقدم لذلك إبطال وهم من أوهام الشرك أنهم في مكنة من إخفاء بعض أحوالهم عن الله تعالى.
ثم ذكر كلامًا ... إلى أن قال: وضمائر الجماعة الغائبين عائدة إلى المشركين الذين أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإبلاع إليهم في قوله: (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) ثم ذكر كلامًا إلى أن قال: وهذا الكلام يحتمل الإجراء على حقيقة ألفاظه من الثني والصدور ويحتمل أن يكون تمثيلاً لهيئة نفسية بهيئة حسية.
فعلى الاحتمال الأول يكون ذلك تعجيباً من جهالة أهل الشرك إذ كانوا يقيسون صفات الله تعالى على صفات الناس فيحسبون أن الله لا يطلع على ما يحجبونه عنه. وقد روي أن الآية أشارت إلى ما يفعله المشركون أن أحدهم يدخل بيته ويرخي الستر عليه، ويستغشي ثوبه، ويحني ظهره ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي؟ وذلك من جهلهم بعظمة اللَّه) اهـ.
وبعد ذكر أقوال العلماء أود أن أبين الحقائق التالية:
أولاً: أن الآية مكية، وبناءً على هذا فلا صلة لها بالمنافقين مطلقاً.