قولهم: إن السورة كلها مكية قول لا يملكون لإثباته دليلاً صحيحاً صريحاً ألبتة ومن الخطأ عند بعض العلماء - رحمهم اللَّه - أنه يدع أحاديث صحيحة صريحة قطعية الثبوت إلى أقوال ظنية لبعض العلماء منشأها ومردها الاستنباط المحض والاجتهاد الخاص الخالي من الدليل مما قادهم وقاد من تابعهم على أقوالهم إلى اختلاف كثير في علوم القرآن عموماً وفي أسباب النزول، والمكي والمدني خصوصًا.
وما نحن فيه هو من هذا الباب، فترى بعضهم يقول: إن هذه الآية مدنية، وآخر يقول: والجمهور على أن الجميع نزل بمكة.
وإذا أردت أن تعرف اختلافهم في تحديد ذلك فارجع لمقدمة ابن عاشور عند بداية سورة الإسراء لترى المزيد.
والمزعج في الموضوع أن هذه الاختلافات المجردة عن الدليل عادت بالإبطال والرد على الأحاديث الصحيحة، فأصبح دفعها ممكناً ولأدنى سبب حتى من بعض المحققين الثقات.
إذا تبين لك هذا فاعلم أنه لا يستطيع أحد مهما جلَّ قدره وعلا في العلم شأنه أن يقيم دليلاً على أن آيات السورة كلها مدنية أو مكية، نعم القول في بعضها ممكن لوجود القرائن والدلائل عليه، أما الجميع فلا.
وحينئذٍ فقد تم الانفكاك من حجتهم الأولى.
أما الثانية: وهي قوله: إن مرجع ضمير (يَسْأَلُونَكَ) هو مرجع الضمائر المتقدمة أي أنها في قريش.
فالجواب أن يقال: إن أقرب ضمير يعود على قريش قبل هذه الآية بينه وبينها ثمانِ آيات وهو قوله: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ).
ثم لو سلمنا بهذا: ألا يمكن أن يتنوع عود الضمائر بسبب تنوع القرائن كما هو كثير معروف عند العلماء حتى في الآية الواحدة فما بالك بآيات منفصلات؟